حكم عسكري في غزة.. بين استراتيجيات الماضي ومخاطر المستقبل
تتصاعد في إسرائيل التحذيرات من خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنشاء حكومة عسكرية في قطاع غزة، وسط مخاوف من أن هذه الخطوة قد تعيد إسرائيل إلى استراتيجيات قديمة تحمل تداعيات طويلة الأمد على أمنها الداخلي والوضع الإقليمي. هذه التحذيرات تتزامن مع تصاعد التوترات في المنطقة، في وقت تحاول فيه إسرائيل التكيف مع تهديدات جديدة، أبرزها تصاعد نفوذ حركة حماس وتحول غزة إلى نقطة صراع دائم.
وتعيد هذه الخطط إلى الأذهان تجربة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عندما تم إنشاء حكومة عسكرية في الأراضي المحتلة. وركزت هذه الحكومة على تثبيت السيطرة على المناطق المحتلة من دون تحمل عبء اقتصادي أو سياسي كبير، وهو نموذج يُعتقد أن نتنياهو يسعى إلى إحيائه اليوم مع بعض التعديلات لتتناسب مع الظروف الحالية في غزة.
الحكم العسكري في غزة: نموذج يعود إلى الواجهة
بعد حرب 1967، احتلت إسرائيل مساحات واسعة من الأراضي، بما في ذلك قطاع غزة الذي كان يضم نحو 400 ألف فلسطيني. في ذلك الوقت، اتبع وزير الدفاع موشيه ديان سياسة "الاحتلال غير المرئي"، حيث سعى إلى تطبيع حياة السكان المحليين وتجنب القمع المفرط، مع الحفاظ على علاقات مع العالم العربي.
وقد سمحت هذه السياسة لإسرائيل بإدارة الأراضي المحتلة عبر الحكم العسكري، الذي جمع بين القمع الجزئي والهدوء النسبي في المنطقة. اليوم، يبدو أن نتنياهو يسعى إلى إعادة تطبيق هذا النموذج، لكن مع تعديلات تفرضها المستجدات الحالية في غزة، مثل التهديد المستمر لحركة حماس والتحولات السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة.
التحذيرات من خطر استراتيجية الحكم العسكري
ومن أبرز المنتقدين لخطط نتنياهو، وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الذي حذر من أن تطبيق الحكم العسكري في غزة قد يشكل "خطرًا إستراتيجيًا وأمنيًا" على إسرائيل. وأشار غالانت إلى أن هذه الخطط قد تتسبب في تكبد إسرائيل خسائر بشرية كبيرة، فضلًا عن تشتيت مواردها في مواجهة تهديدات أخرى مثل تلك التي تمثلها إيران وحزب الله في لبنان. هذه التحذيرات تأتي في وقت حساس، حيث يزداد الضغط على إسرائيل على جبهات متعددة، داخليًا وخارجيًا.
في المقابل، هناك من يدافع عن هذه الخطط، مثل وزير الزراعة آفي ديختر، الذي يرى أنه لا بد من السيطرة الكاملة على قطاع غزة لضمان عدم عودة حركة حماس إلى الواجهة. ويؤكد ديختر أن الحل العسكري قد يكون الوسيلة الوحيدة لضمان تراجع حماس عن محاولات إعادة بناء قدرتها العسكرية والسياسية.
وثيقة مسربة: الحكومة العسكرية كخطة مؤقتة
وكشفت وثيقة مسربة من السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، الجنرال رومان جوفمان، عن اقتراح إقامة حكومة عسكرية مؤقتة في غزة، بوصفها وسيلة لفرض السيطرة الإسرائيلية على القطاع وتحقيق أهداف الحرب. الوثيقة تشير إلى أن الحكومة العسكرية ستكون بمثابة حل مؤقت يهدف إلى تحقيق الأمن في غزة ومنع عودة حماس إلى السلطة.
ديفيد بتريوس: الحكم العسكري لضمان الاستقرار
من جهة أخرى، أيد الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بتريوس فكرة الحكم العسكري في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز"، حيث اعتبر أن هذا الخيار هو الوحيد الذي يمكن أن يضمن تحقيق أهداف إسرائيل في غزة. ووفقًا لبتريوس، فإن الحكم العسكري سيمكن إسرائيل من السيطرة على المساعدات الإنسانية الموجهة إلى غزة، ومنع حركة حماس من استغلالها لصالحها. كما أن وجود قوات عسكرية دائمة في القطاع يمكن أن يساعد في تثبيت الاستقرار ومنع حماس من العودة إلى النشاط العسكري.
لكن بتريوس أشار أيضًا إلى المخاطر الكبيرة التي يترتب عليها هذا الخيار. فبينما قد يؤدي الحكم العسكري إلى تقليص قدرات حماس وإضعاف تأثيرها السياسي والعسكري، فإنه قد يسبب في الوقت ذاته تصاعد مشاعر الكراهية ضد إسرائيل، ويزيد من احتمالات حدوث انتفاضة جديدة في غزة. كما أن الاحتلال العسكري قد يضع إسرائيل تحت ضغط دولي متزايد، ويزيد من عزلتها في الساحة الدولية.
مخاطر طويلة الأمد وتداعيات محتملة
في ظل هذه التحذيرات والتوقعات، يواجه نتنياهو تحديًا كبيرًا في تحديد ما إذا كانت فكرة الحكم العسكري في غزة ستكون وسيلة فعالة لتحقيق الأمن على المدى القصير دون أن تؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد تهدد استقرار المنطقة بأكملها. ورغم أن البعض يرى في هذا الخيار فرصة لتحقيق الاستقرار العسكري والسياسي، فإن الخطر يبقى في أن استمرار الاحتلال العسكري قد يعمق الصراع ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة.
بينما تتصاعد التحذيرات من داخل إسرائيل وخارجها، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تحقق إسرائيل أهدافها الأمنية في غزة عبر استراتيجيات قديمة، أم أن الوضع الجديد يتطلب حلولًا مبتكرة ومتكاملة توازن بين الأمن وحقوق الإنسان؟