مع توقف «تكايا الخير» ونفاد الطعام والوقود
«رمضان في غزة».. طبول الحرب بدلاً من «طبلة المسحراتي»

وسط أهوال الحرب والدمار، تتسحر غزة على هدير الطائرات التي لا تفارق سماءها، وتفطر على الجوع والحزن، بعد أن توقفت تكايا الطعام بفعل الحصار، وتعطلت المخابز إثر نفاد الوقود وغاز الطهي، ولا يزال السكان يعيشون فصول معاناة إنسانية، وحرباً تجويعية بلا نظير.
وأدى توقف «تكايا الخير» في شهر الخير الذي اغتالته عادية الحرب عن تقديم خدماتها في قطاع غزة إلى حرمان عشرات آلاف المواطنين من الحصول على وجبات الإفطار، فبدا مشهد الجوع بالقدر الذي يطغى على طقوس وأجواء الشهر الفضيل.
فهذا رمضان يحل فيه هدير الطائرات الحربية عوضاً عن صوت الأذان، وقرع طبول الحرب بدلاً من طبول المسحراتي، وتنوب القذائف التي تطلقها القوات الإسرائيلية بين الحين والآخر عن مدفع رمضان.
عادات وتقاليد اغتالتها الحرب وما خلفتها، الموائد علاوة على تواضعها تبدو موحشة، وثمة أماكن خالية، ورمضان غير رمضان تمضي أيامه على نحو حزين، فلا مساجد تغص بالمصلين، ولا أسواق تعج بالمتسوقين، ولا لمة عائلية كتلك التي دأب عليها أهل غزة منذ قرون.
يتضور السكان جوعاً، كأنما بدأ صيامهم قبل رمضان، ولا يجدون ما يفطرون عليه، يبحثون عن كسرة خبز أو شربة ماء، وكأن الصيام عندهم على مدار الساعة، ولا تزال تداعيات الحصار الإسرائيلي المشدد تفرض نفسها على قطاع غزة، ومعها تتزايد معاناة سكانه.
«كنا نعتمد على التكايا التي تقدم الوجبات المجانية، وأحياناً نشتري الخبز، واليوم بعد توقف التكايا والمخابز، أصبحت أخرج من منزلي كل يوم، للبحث عما نسد به رمقنا ونكسر صيامنا، لكني لا أعود إلا بالشيء القليل الذي بالكاد يكفي لشخص واحد..
أصبحنا نفضل الجوع على مشقة البحث عن الطعام».. هكذا وصفت أمينة صلاح الحال في غزة، التي كانت تنبض بالخير العميم في شهر رمضان قبل أن يطالها جحيم الحرب.
وأضافت: «خلال الأسبوع الأول من رمضان كنا نفطر على الوجبات المقدمة من تكايا الخير، لكن بعد نفاد المواد اللازمة لإعداد الطعام، تراجعت خدمات التكايا من حيث الجودة والكمية، وشيئاً فشيئاً أغلقت أبوابها أمام الصائمين الجوعى، ما انعكس سلباً على أوضاعهم الصعبة أصلاً». ولفتت إلى أن الوجبات الساخنة كانت تصل إلى مخيمات النازحين في مواصي خانيونس.
ولكن بعد إغلاق المعابر مع قطاع غزة، وتوقف التكايا، عادت العائلات لما تبقى لديها من معلبات، وأحياناً تتناولها كما هي، بسبب ندرة الحطب والوقود ومواد الطهي.
وزاد المواطن إسماعيل المصري: «كانت تكايا الطعام مصدراً رئيسياً لآلاف العائلات في قطاع غزة، وتوقفها تسبب بأزمة حقيقية، وحتى بعد أن توجهنا للأسواق تفاقم شعورنا بالمعاناة.
فالأسواق تبدو خالية، وما توفره من مواد أساسية أسعارها غالية والأوضاع المادية سيئة عند الجميع.. إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، ستتجدد المجاعة، خصوصاً مع توقف المخابز العاملة بالغاز عن العمل، ونفاد الخبز الجاهز المقدم من مؤسسات الإغاثة العربية والدولية».
في قطاع غزة، تتعالى الأصوات وتتوالى المناشدات، لفتح المخابز وإدخال قوافل المساعدات، وإنقاذ الأهالي قبل دخول الطور الثاني من المجاعة، ويتطلعون إلى اليوم الذي يعود فيه صوت المسحراتي وهو يجوب شوارع غزة، ويصدح بصوته المخملي، كي تستيقظ غزة وتنفض عنها غبار الحرب.