التعاون الإفتائي في مواجهة التحديات المعاصرة.. لقاء مفتي مصر ونظيره التشادي في أبو ظبي

في ظل تصاعد التحديات الفكرية والثقافية التي تواجه العالم الإسلامي، جاء اللقاء الثنائي الذي جمع فضيلة الدكتور نظير عياد، مفتي جمهورية مصر العربية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، مع سماحة الشيخ أحمد محمد النور الحلو، مفتي جمهورية تشاد، على هامش فعاليات المؤتمر الدولي في أبو ظبي تحت عنوان "المواطنة والهُويَّة وقيم العيش المشترك"، ليجسد بُعدًا استراتيجيًّا في مسار التعاون الإفتائي العالمي.
هذا اللقاء لم يكن مجرّد مجاملة بروتوكولية، بل جاء في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشتد الحاجة لتوحيد الرؤى والجهود بين المؤسسات الدينية لمواجهة الخطابات المتطرفة، ولإرساء قواعد فهم صحيح للدين يرتكز على الوسطية والاعتدال.
محاور اللقاء وتفاصيله
ركزت المناقشات بين الطرفين على ضرورة تفعيل قنوات التواصل الدائم بين دار الإفتاء المصرية ونظيرتها في تشاد، من خلال برامج تدريبية مشتركة وتبادل الخبرات الفقهية، وكذلك التنسيق في القضايا ذات الطابع الإقليمي والدولي التي تمس صورة الإسلام في العالم.
فضيلة الدكتور نظير عياد شدد على أن تعزيز التعاون بين دُور الفتوى لا يعد ترفًا مؤسسيًّا، بل ضرورة استراتيجية تفرضها طبيعة المرحلة الراهنة، حيث تحتاج الأمة إلى صوت ديني راشد يواجه الانحرافات الفكرية، ويدفع نحو خطاب إسلامي موحد يدعو إلى السلم المجتمعي والتعايش.
في المقابل، عبّر مفتي تشاد عن تقديره العميق للدور الذي تلعبه مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف، في نشر ثقافة الوسطية ومجابهة الفكر المتطرف. وأكد أن الأزهر بمكانته العلمية والتاريخية هو صمام الأمان للعالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن مفتي مصر بمثابة مرجعية عليا للمفتين في العالم، لما يمثله من توازن فكري ورؤية فقهية جامعة.
أبعاد الأزمة وأهمية اللقاء
تأتي هذه الجهود في وقت يشهد فيه العالم الإسلامي تجاذبات أيديولوجية وصراعات فكرية تنعكس سلبًا على صورة الإسلام عالميًا، ما يبرز أهمية التحرك المؤسسي المنظم لمواجهة هذه التحديات. فغياب التنسيق بين المرجعيات الدينية قد يفتح الباب أمام خطاب ديني مشوش، تستغله تيارات العنف والتطرف.
كما أن ضعف البنية المؤسسية لبعض دُور الإفتاء في الدول الإفريقية مثل تشاد، يجعل من التعاون مع مؤسسات رائدة كدار الإفتاء المصرية عنصرًا حاسمًا في تمكين هذه الدول من بناء مرجعيات دينية قادرة على خدمة مجتمعاتها ومواجهة الانحرافات الفكرية محليًّا.
كما يُعدّ لقاء مفتي مصر ومفتي تشاد خطوة عملية باتجاه ترسيخ التعاون الإسلامي في المجال الديني، وتوحيد الصفوف الإفتائية لمواجهة التحديات المعاصرة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية. وهو ما يدعو إلى البناء على هذا اللقاء من خلال آليات عمل مستدامة، تُترجم الأقوال إلى أفعال، والخطط إلى مشاريع واقعية.