انفجار الخلاف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.. غالانت يكشف الأكاذيب ويعري نتنياهو

تشهد إسرائيل واحدة من أعمق أزماتها السياسية والعسكرية الداخلية منذ بدء حربها على قطاع غزة قبل أكثر من عام، حيث انفجر الخلاف داخل قمة القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية بشكل علني، بعد أن كشف وزير الدفاع المقال يوآف غالانت ما وصفه بـ"أكاذيب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو"، في سياق تضليل إعلامي وأمني يتعلق بسير العمليات العسكرية ومصير صفقة تبادل الأسرى مع حماس.
فضيحة الصورة المفبركة
أحدث حلقات هذا التصعيد تمثلت في فضح غالانت لصورة نشرها الجيش الإسرائيلي، مدعياً أنها لعربة داخل نفق في محور فيلادلفيا، أحد أبرز محاور الصراع جنوب غزة. لكن غالانت فند هذه الرواية، مؤكداً أن الصورة التقطت لعربة داخل خندق وليس نفقاً، ما يمثل – من وجهة نظره – محاولة متعمدة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي والدولي حول إنجازات الجيش في غزة.
هذا التصريح العلني من غالانت يأتي في سياق جهود يبذلها نتنياهو – وفق اتهامات خصومه – لتعطيل صفقة تبادل أسرى واحتجاز ملف الجنود والمدنيين الأسرى كورقة ضغط سياسية داخلية، ما فجر خلافات وصلت حد الانفجار بينه وبين المؤسسة الأمنية.
إقالة غالانت.. تصعيد أم إلهاء؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن عن إقالة غالانت من منصبه، متهماً إياه بالتسبب في "أزمة ثقة" داخل الحكومة العسكرية، معتبراً أن هذا الخلاف لم يعد قابلاً للاحتواء. لكن المراقبين يرون أن الإقالة ليست سوى محاولة لإسكات الأصوات الناقدة داخل البيت اليميني الحاكم، خصوصاً أن غالانت لم يكن مجرد وزير دفاع، بل جنرالاً مخضرماً وأحد أعمدة القرار الأمني.
يأتي قرار الإقالة في سياق سلسلة من الإقالات السابقة التي طالت غالانت نفسه خلال العام الماضي، بسبب معارضته لمشروع تعديل النظام القضائي، قبل أن يُعاد إلى منصبه تحت ضغط الشارع الإسرائيلي والمظاهرات الواسعة التي اجتاحت البلاد.
خلافات أعمق من مجرد تكتيك عسكري
الصراع بين نتنياهو وغالانت ليس خلافاً عابراً حول التفاصيل الميدانية، بل يعكس شرخاً استراتيجياً أعمق داخل الدولة العبرية حول مستقبل الحرب على غزة وأهدافها، خصوصاً أن غالانت أشار مراراً إلى غياب "رؤية استراتيجية واضحة" للحرب، معتبراً أن إدارة نتنياهو تتخبط في الأهداف وتغلب الاعتبارات السياسية على العسكرية.
في المقابل، يصر نتنياهو على أن العمليات العسكرية لا يمكن أن تتوقف ما لم يتم "القضاء التام على حماس ككيان سياسي وعسكري"، وهي مقاربة تتجاهل – بحسب معارضيه – واقع الميدان وكلفة الحرب السياسية والإنسانية والعسكرية.
تداعيات داخلية وخارجية
التصدع بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل لا يمر دون تداعيات. فمن جهة، يعزز مناخ انعدام الثقة داخل الحكومة، ويضعف من موقف إسرائيل التفاوضي في أي مباحثات قادمة، سواء على صعيد الهدنة أو صفقة الأسرى. ومن جهة أخرى، يبعث برسائل ضعف إلى المجتمع الإسرائيلي الذي يعاني من صدمة نفسية وأمنية مستمرة منذ بداية الحرب، فضلاً عن الرسائل التي يلتقطها "العدو" – بحسب تعبير نتنياهو – والذي قد يرى في هذا الانقسام فرصة لتعزيز موقفه.
الأزمة بين نتنياهو وغالانت تمثل أكثر من خلاف سياسي؛ إنها مرآة لعطب عميق في بنية الحكم الإسرائيلي، الذي يعيش تحت وطأة أزمات داخلية غير مسبوقة، تتزامن مع أطول وأعنف حرب تخوضها إسرائيل في غزة. في ظل غياب الأفق السياسي والتمزق داخل القيادة، تبدو إسرائيل في وضع هشّ لا تُحسد عليه، بينما يستمر الصراع في الميدان بلا نهاية واضحة.