عامان من الدمار.. المرأة السودانية تواجه الحرب الأهلية وويلاتها بصمود وشموخ

في الحروب الأهلية يكون الأطفال والنساء هم الطرف الأضعف رغم أنهم ليسوا من بين الأطراف المتحاربة، ويدفعون الثمن وغالباً بصورة انتقامية ومع طول أمد الحرب واتساع رقعتها، دفعت نساء السودان ثمناً فادحاً، وتعرض معظمهن لأضرار وخيمة من تعنيف جسدي وجنسي في ظل غياب العدالة ومحاسبة الجناة، وأيضاً واجهن تحديات لا يمكن تصورها، سواء في مراكز إيواء النزوح أو في القرى البعيدة والمنسية من أبسط معايير الحياة الكريمة، أو حتى اللواتي يعشن في المدن الآمنة المكتظة بالفقر والغلاء والأوبئة القاتلة.
وعلى رغم المآسي والمعاناة الإنسانية التي تعيشها النساء والفتيات، تتضاءل المساعدات والخدمات المقدمة لهن بسبب نقص التمويل، إذ يهدد وقف برامج المساعدات الإنسانية التي كانت تمولها الولايات المتحدة 260 ألف امرأة في السودان من تلقي خدمات الصحة الإنجابية والوصول إلى أماكن آمنة وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، فضلاً عن إيقاف تدريب العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية، وفقدان 10 آلاف امرأة لخدمات الدعم الطبي والقانوني والنفسي والاجتماعي.
تفاقم الأوضاع
إلى ذلك، قال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن "برامج الصحة الجنسية والإنجابية والمساحات الآمنة التي ينفذها في ولاية شمال كردفان تمول من دول عدة، لكن نقص التمويل يعرض صحة وحياة مئات الآلاف من النساء والفتيات للخطر".
وأشار إلى أن "الوضع في السودان تدهور بشكل كبير، بخاصة في ظل تزايد التقارير التي تتحدث عن استخدام العنف الجنسي كسلاح في جميع أنحاء البلاد".
ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن أزمة التمويل ستوقف تدريب العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية، وأيضاً ستفقد 10 آلاف امرأة إمكانية الوصول إلى أماكن توافر الدعم الطبي والقانوني والنفسي والاجتماعي، إضافة إلى حرمان 260 ألف امرأة من تلقي خدمات الصحة الإنجابية.
ويحتاج الصندوق إلى 119.6 مليون دولار هذا العام، لتقديم خدمات الصحة الإنجابية والحماية عبر 90 فريقاً صحياً متنقلاً، و120 مرفقاً صحياً و51 مكاناً آمناً.
قضية جوهرية
وفي هذا السياق، اعتبرت الناشطة في العمل النسوي وحقوق المرأة نجلاء مهدي أن "حماية النساء باتت قضية جوهرية يجب الالتفاف حولها من جميع المنظمات التي تدافع عنهن وترصد أوضاعهن منذ اندلاع الصراع المسلح، فهن في أمس الحاجة إلى تحريكها وعدم السكوت عنها في ظل الوضع الراهن، الذي تغيب خلاله الجهات التي تعمل في هذا المجال".
وأوضحت نجلاء مهدي أن "وقف تمويل المساعدات الإنسانية يحرم النساء والفتيات من خدمات العلاج السريري والاستشارة النفسية بعد الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وكذلك الإحالة للحصول على مساعدة قانونية وتوقف الرعاية الصحية الإنجابية وتدريب العاملين في المجالات الطبية".
وطالبت الناشطة في العمل النسوي وحقوق المرأة الحكومة الأميركية بضرورة إعادة النظر في تجميد المساعدات واستئناف دعمها الإنساني للسودان، كما ناشدت المجتمع الدولي والإقليمي للضغط والتدخل والعمل على إيجاد مخرج لدعم المجتمعات المتضررة من المجاعة وتقديم مواد الإغاثة والمعونات والخدمات الصحية والحماية للنساء النازحات داخل السودان وخارجه".
كارثة إنسانية
على الصعيد نفسه، أشارت عضو مبادرة حملة "نساء ضد الظلم" نادية محجوب إلى أن "حرمان آلاف الفتيات من حقوقهن الأصلية في تلقي خدمات الصحة الإنجابية والدعم الطبي والقانوني والنفسي في ظل ظروف الحرب الحالية يمثل كارثة إنسانية تتحمل الدولة في المقام الأول مسؤوليته".
ولفتت نادية محجوب إلى أن "الصراع المسلح هو نقيض ما تحتاج إليه المرأة، إذ يفصل النساء عن الخدمات ويغذي عدم المساواة، لا سيما بين اللاجئين والنازحين هو أسوأ ما يمكن تخيله".
وأردفت نادية محجوب "كثير من النساء في حاجة إلى الدعم والخدمات، ليس أثناء الحمل والولادة فحسب، ولكن أيضاً استجابة للممارسات الضارة مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي والدعم النفسي والقانوني".
عقبات وصعوبات
على صعيد متصل، قالت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل سليمى إسحاق إن "النساء السودانيات دفعن أثماناً باهظة خلال الحرب، وعلى رغم تزايد معدلات الانتهاكات، لم تلن عزيمتهن، وأثبتت التجربة أنهن الأقدر على قيادة مسار السلام المجتمعي وبناء جسور التواصل بين أطياف المجتمع، فقد أظهرن في أحلك الظروف قدرة فريدة على تجاوز الاختلافات وكسر حلقات الكراهية وغرس بذور الوئام".
وأضافت سليمى إسحاق "نواجه صعوبات بالغة في الوصول إلى النساء والفتيات الناجيات وهن في حال نزوح وتنقل من منطقة لأخرى، مما يعقد الجهود الرامية إلى تقديم المساعدة، إلى جانب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت وضعف الرعاية الصحية".
وشددت سليمى إسحاق على ضرورة التزام الدولة بحماية النساء من جميع أشكال العنف والتمييز، والعمل على إدماج منظور النوع الاجتماعي في جميع السياسات الوطنية".
نقص التمويل
على نحو متصل، أوضحت الناشطة المجتمعية سحر خيري أن "حجم الأزمة الصحية بات كارثياً، وبلغ مستويات غير مسبوقة، إذ واجهت نساء السودان مصاعب ومهددات جمة، وأصبحن في طليعة المتأثرين بالحرب سواء بسبب النزوح أم اللاتي ما زلن عالقات في مناطق النزاع النشط، لا سيما تدهور الوضع على الأرض بشكل مخيف، بخاصة المتعلق بانهيار القطاع الصحي والمعاناة في شح الأدوية العلاجية".
وأشارت سحر خيري إلى أنه "وفي ظل نقص التمويل تقع المسؤولية على عاتق كل من له صلة بالعمل الإنساني في الإسراع لتقديم الدعم اللازم".
وتابعت سحر خيري: "قضية السودان لا تحظى بالاهتمام الواسع، لا سيما تفاقم الأزمة الإنسانية وتدهور الخدمات الأساسية، بل انقطاعها تماماً وتسبب ذلك في معاناة النساء، إذ يحتجن إلى المساعدات الضرورية".
أخطار وتحديات
وتقدر الأمم المتحدة أن 12.1 مليون امرأة وفتاة ورجل في السودان سيواجهون مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي في عام 2025، بزيادة قدرها 80 في المئة من العام السابق.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حذرت منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاء آخرون من أن الهجمات المستمرة على المرافق الصحية ستؤدي إلى تداعيات كارثية على القطاع الصحي، لا سيما استهداف المستشفيات المتخصصة في الولادة التي تقدم الخدمات في الصحة الجنسية والإنجابية والاستشارات في تنظيم الأسرة.
وأشارت إحصاءات منظمة الصحة العالمية الحديثة إلى وجود أكثر من 4 ملايين امرأة في سن الإنجاب من بينهم نحو 500 ألف حامل، وجميعهن افتقدن الرعاية الصحية وتعرضن لتحديات وأخطار بالغة.