دبلوماسية على حافة الانفجار.. تأجيل محادثات لندن للسلام يكشف هشاشة المبادرات الدولية لإنهاء حرب أوكرانيا

جاء الإعلان المفاجئ عن تأجيل محادثات السلام رفيعة المستوى في لندن، التي كانت مقررة لبحث سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ليكشف عن واقع دبلوماسي معقد، يتأرجح بين الرغبة في التهدئة ومحدودية الثقة بين الأطراف الدولية. وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية أن المحادثات ستُستكمل خلف الأبواب المغلقة، دون مشاركة وسائل الإعلام، في خطوة تعكس طبيعة المرحلة الحرجة التي تمر بها الجهود الدبلوماسية.
تسريبات عرض السلام الأميركي
جاء التأجيل بعد ساعات قليلة من تسريب مسودة العرض الأميركي للسلام، والذي تضمّن بنوداً مثيرة للجدل، أبرزها اعتراف ضمني بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم وأقاليم أخرى شرق أوكرانيا، ودعوة لوقف إطلاق النار على خطوط التماس الحالية. هذه البنود لاقت ردود فعل متباينة، ووضعت كييف أمام معادلة صعبة: هل تقبل بخسائر جغرافية مقابل وقف النار، أم تواصل القتال رغم استنزاف الموارد والدعم الدولي؟.
رسالة غامضة أم ضغط سياسي؟
زاد من تعقيد المشهد غياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي كان من المفترض أن يشارك في المحادثات، بدعوى "مشكلات لوجستية"، كما أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية. وتمثلت الولايات المتحدة بكيث كيلوج، المبعوث الخاص للرئيس ترمب، ما اعتُبر خفضًا لمستوى التمثيل السياسي في توقيت حساس، يُقرأ على أنه رسالة ضغوط أميركية على أوكرانيا للقبول بالتسوية المقترحة، أو مؤشر على تراجع الحماسة الأميركية لمواصلة الانخراط المباشر في الملف.
بين تفويض زيلينسكي ومخاوف الحلفاء
في المقابل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن وفده يملك تفويضًا كاملًا لمناقشة وقف إطلاق نار غير مشروط أو جزئي، ما يدل على تحولٍ واضح في الموقف الأوكراني، يتماشى مع حالة الإرهاق العسكري والاقتصادي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب. وصرّح مدير مكتبه، أندريه يرماك، لدى وصوله إلى لندن، بأن "السلام العادل والمستدام" لا يزال الهدف، رغم صعوبة المسار.
لكن في ظل انقسامات أوروبية حول طبيعة التسوية المقبولة، خصوصاً مع تصريحات بريطانية قلّلت من احتمالية تحقيق تقدم ملموس، بدا أن الحلفاء يفتقرون إلى رؤية موحدة، بينما تراهن بعض العواصم على ضمانات أمنية وإعادة إعمار، أكثر من حسم سياسي سريع.
روسيا تراقب.. وترحب بصيغة التسوية
من جهة موسكو، لم تُعلن رسمياً موقفاً من العرض الأميركي، لكن تصريحات يوري أوشاكوف، مستشار بوتين، حول زيارة قريبة للمبعوث الأميركي الخاص، تعكس اهتماماً روسياً بالتعامل مع المقترح، على الأقل كمؤشر على تغير في الموقف الغربي. وتُدرك روسيا أن أي وقف لإطلاق النار يُرسّخ مكاسبها الميدانية ويمنحها مساحة تفاوض أقوى على المدى البعيد.
مفاوضات وسط الضباب
تأجيل المحادثات لا يعكس مجرد عقبة لوجستية، بل يُعبّر عن هشاشة الوضع السياسي والدبلوماسي، وعن فجوة في التفاهمات بين الحلفاء، ومع أوكرانيا، حول ثمن السلام وشروطه. في الوقت نفسه، يفرض الغياب الأميركي الكامل أو الجزئي ضغوطاً إضافية على كييف، التي تجد نفسها بين المطرقة الروسية وسندان التراخي الغربي.
وتبقى الأسئلة معلقة: هل تقترب لحظة التسوية الواقعية، أم أن ما يجري مجرد مناورة تكتيكية لتمرير الوقت وتعزيز المواقع على الأرض قبل جولة أكثر جدية من التفاوض؟.