اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

من التحالف إلى الحل.. الأردن يُنهي فصلاً مع الإخوان وسط تهديدات أمنية ومخاوف داخلية

من التحالف إلى الحل.. الأردن يُنهي فصلاً مع الإخوان وسط تهديدات أمنية ومخاوف داخلية
من التحالف إلى الحل.. الأردن يُنهي فصلاً مع الإخوان وسط تهديدات أمنية ومخاوف داخلية

في مشهد يُعيد تشكيل معادلات قديمة، قررت الحكومة الأردنية تفعيل قرار قضائي صدر عام 2020 يقضي بحل جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً في نهج الدولة تجاه واحدة من أقدم الحركات الإسلامية وأكثرها تأثيراً في المشهد السياسي والاجتماعي الأردني.
القرار، الذي جرى إعلانه رسمياً خلال ساعات، سيُفعّل ما جاء في الحكم القضائي بـ"اعتبار جماعة الإخوان منحلة حكماً وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية"، وذلك لعدم تصويب أوضاعها القانونية بحسب القوانين الأردنية. كما تتضمن الإجراءات المرافقة إغلاق المقرات، إزالة الشعارات، ومصادرة الممتلكات، دون استبعاد خيار ملاحقة بعض القياديين.


تفعيل متأخر في لحظة حساسة


رغم صدور الحكم القضائي قبل نحو خمس سنوات، فإن تفعيله اليوم لا يبدو منعزلاً عن السياق الإقليمي والمحلي المحتقن، لا سيما مع الإعلان الأخير عن "خلايا فوضى" قالت السلطات إنها خططت لتصنيع صواريخ وطائرات مسيرة، واستهداف الأمن الوطني. وقد طالبت "حماس" بالإفراج عن المتهمين في القضية، وهو ما فتح باباً واسعاً للربط بين الجماعة غير المرخصة في الأردن والحركة الفلسطينية ذات الجذور الإخوانية.
التحوّل في المزاج الرسمي يُقرأ على أنه نفاد لصبر الدولة بعد سنوات من اتباع سياسة "الاحتواء" مع الجماعة، والتي وُصفت من مسؤولين سابقين بأنها "مرونة لم تُقابل بضبط داخلي من الجماعة"، بل جرى استثمارها في توسيع النفوذ بطرق تتجاوز الأطر السياسية المتعارف عليها.


الجماعة والدولة.. عقود من الشراكة والاحتكاك


تاريخ الجماعة في الأردن يعود إلى عام 1946، حيث بدأت كجمعية دعوية تعمل في مجال العمل الخيري والتعليمي، وتمكنت عبر عقود من تكوين قاعدة جماهيرية واسعة في مجتمع محافظ بطبعه. وفي فترة السبعينات، شهدت العلاقة أوجها، عندما تولّى قياديون منها مناصب وزارية في حكومات متعاقبة، أبرزها حقيبتا التربية والأوقاف.
غير أن مرحلة "الديمقراطية المنضبطة" التي انطلقت بعد هبّة نيسان 1989، حملت في طياتها تحولات جوهرية. فالجماعة خاضت الانتخابات وشكلت كتلة نيابية مؤثرة، وأسست لاحقاً الذراع السياسية "حزب جبهة العمل الإسلامي" عام 1992، في محاولة للجمع بين الدعوة والعمل الحزبي تحت سقف القانون.


من الشراكة إلى الخصومة


محطة التباعد الحقيقي بين الجماعة والدولة كانت عام 1994، مع توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. رفض الجماعة القاطع للتطبيع، وقاطعها انتخابات 1997، ما أدى لانشقاقات داخلية وانحسار بعض الدعم الشعبي. ومع تصاعد دور الحركات الإسلامية في الإقليم، بدأ الأردن ينظر بعين القلق إلى ما وراء الحدود، خاصة بعد تصاعد خطاب الجماعة المتصل بـ"محور الممانعة"، ودورها المفترض في إعادة إنتاج الأيديولوجيات الراديكالية.
ورغم أن حزب جبهة العمل الإسلامي استمر في العمل السياسي، وشارك في الانتخابات الأخيرة ممثلاً للجماعة، فإن الفصل القانوني بين الحزب والجماعة لم يكن واضحاً بما يكفي لتبديد المخاوف الرسمية.


حسابات الأمن قبل السياسة


البيان الأمني الأخير، والذي فصّل في "مخططات مسلحة" داخل المملكة، بدا كاشفاً لمستوى التهديد الذي تنظر إليه الدولة بجدية. الحديث عن تصنيع صواريخ محلية وتجميع طائرات مسيّرة في الداخل، مقروناً بتدريب عناصر داخل الأردن وخارجه، غيّر قواعد الاشتباك، وفرض مقاربة أكثر حسماً.
مصادر مطلعة تؤكد أن الأردن بات يرى في التنظيمات الأيديولوجية غير المرخصة بيئة قابلة للاختراق الخارجي، وهو ما دفع لاتخاذ خطوات قانونية تسعى لحصر التمثيل السياسي في كيانات واضحة المعالم، تخضع لرقابة مؤسسية.


ما بعد القرار.. أسئلة مفتوحة


ما يثير الاهتمام في هذا التوقيت هو مستقبل الذراع السياسية للجماعة – حزب جبهة العمل الإسلامي – الذي لا يزال مرخّصاً ويشارك في الحياة السياسية. هل سيتأثر الحزب تنظيمياً؟ هل سيعاد النظر في وضعه القانوني؟ أم ستُمنح له فرصة الاستمرار تحت سقف منضبط؟
كما تلوح في الأفق تساؤلات حول أثر القرار على النسيج الاجتماعي الأردني، وما إذا كان سيفتح باب مواجهة داخلية، أم سيكون خطوة استباقية لضبط التوازن في لحظة إقليمية حساسة تعج بالتحديات والاصطفافات.

ما يجري في الأردن ليس مجرد تصفية لحساب سياسي مع تنظيم ديني، بل إعادة تعريف لعلاقة الدولة مع القوى المنظمة داخلها، في لحظة تتداخل فيها المخاطر الأمنية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية. القرار يحمل بُعداً استراتيجياً عنوانه: لا تسامح مع كيانات غير منضبطة خارج القانون، مهما كانت تاريخها أو خطابها.
وإذا كانت الجماعة قد استمرت لعقود كلاعب مركزي في المعادلة الأردنية، فإن لحظة خروجها من المشهد المؤسسي – قانونياً على الأقل – تفتح فصلاً جديداً من إعادة تشكيل الفضاء السياسي الأردني.

موضوعات متعلقة