حرب من نوع آخر.. التحالف الإسلامي يواجه تمويل الإرهاب من نيروبي

في ظلّ تصاعد التهديدات الأمنية العابرة للحدود، واتساع رقعة التنظيمات المتطرفة، دشَّن «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب» في العاصمة الكينية نيروبي، برنامجًا استراتيجيًا يحمل عنوان: «محاربة تمويل الإرهاب وغسل الأموال»، بمشاركة واسعة من جهات حكومية ورقابية ومصرفية، بالإضافة إلى جهات إنفاذ القانون.
يُعد هذا البرنامج جزءًا من المبادرات متعددة الأبعاد التي يتبناها التحالف، لتعزيز الجاهزية المؤسسية في الدول الأعضاء والشركاء، لمجابهة أخطر أدوات الجماعات الإرهابية: التمويل. ويأتي ذلك وسط إدراك متزايد من دول المنطقة والعالم بأن الإرهاب لم يعد مجرد تهديد أمني تقليدي، بل منظومة معقدة تتغذى على موارد مالية ضخمة تتنكر في صور قانونية أحياناً، وتتنقل عبر الحدود بسرعة وسلاسة.
شراكة واعية وواقع ضاغط
وزيرة الدفاع الكينية، روزليندا سويبان تويا، شدّدت في كلمتها خلال التدشين على أن مواجهة الإرهاب لم تعد خيارًا، بل ضرورة إقليمية وعالمية تتطلب تعاوناً دولياً قوياً، خاصة في مجال تبادل المعلومات وتنسيق الأطر القانونية. وأوضحت أن مصادر التمويل تُعد العمود الفقري للجماعات الإرهابية، إذ تُغذّي عمليات التجنيد والتخطيط والتنفيذ، مؤكدة أن تجاهل هذا الجانب يهدد بنسف جهود المكافحة مهما بلغت شدتها.
وتأتي مشاركة كينيا في هذا البرنامج في سياق موقعها الجيوسياسي الهام في شرق إفريقيا، ومواجهتها المباشرة لتحديات أمنية معقدة، لا سيما من جماعة «الشباب» المتطرفة الناشطة في منطقة القرن الإفريقي، ما يجعل تجربتها مهمة في إثراء مثل هذه المبادرات.
الإرهاب شبح بلا حدود
من جانبه، أكد اللواء الطيار الركن محمد المغيدي، الأمين العام للتحالف، أن تأسيس التحالف انطلق من رؤية تؤمن بأن الإرهاب خطر عالمي لا يعترف بالحدود الجغرافية أو الفوارق الثقافية، بل يستهدف البنى التحتية للدول، ويقوّض الأمن والاستقرار والتنمية.
وأوضح أن البرنامج الجديد لا يكتفي بالتحذير من مخاطر تمويل الإرهاب، بل يقدم أدوات عملية لبناء القدرات، وتدريب الكوادر، وتطوير فهم معمّق للإطار القانوني الدولي المتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، في سياق تنامي أساليب التمويه المالي والتقنيات الرقمية الحديثة.
محتوى البرنامج.. تدريب وتحصين ووعي مؤسسي
يتضمن البرنامج سلسلة من المحاضرات وورش العمل والدورات التدريبية، تُركّز على عدة محاور جوهرية، أبرزها:
الإطار القانوني لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
التعرف على أدوات ووسائل الجرائم المالية.
تقنيات الكشف والتحليل المالي المتقدم.
تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في تتبع الأموال المشبوهة.
استراتيجيات الوقاية والتوعية المجتمعية والمؤسسية.
ويهدف هذا المحتوى المتكامل إلى رفع جاهزية الجهات القانونية والأمنية والمصرفية، عبر تزويدها بمهارات متقدمة لتحليل الحالات المالية المشبوهة، وتحديد مسارات التمويل غير المشروع، وتعزيز قدراتها على التنسيق مع شبكات الإنذار المبكر الدولية.
مواجهة التمويل أهم من مواجهة السلاح
يُعد التمويل أحد أبرز التحديات في المعركة ضد الإرهاب. فالقدرة على منع الأموال من الوصول إلى الجماعات المتطرفة تُعد ضربة استباقية تعرقل قدرتها على التوسع والتجنيد وتنفيذ العمليات. ورغم الجهود الدولية السابقة، فإن تطور أدوات التمويل عبر العملات الرقمية والشبكات المالية غير الرسمية، يتطلب مقاربات أكثر تكاملاً، تجمع بين العمل القانوني، والتحليل المالي، والجهد الاستخباراتي، والتعاون الدولي الفعال.
في هذا السياق، يُمثل برنامج نيروبي خطوة عملية نحو بناء شبكة دفاع إقليمي ضد واحدة من أكثر أدوات الإرهاب فتكاً. فبدلاً من الاكتفاء بمواجهة الظاهرة أمنياً، يجري الانتقال إلى مرحلة التحصين المالي والمؤسسي، وهو ما يعكس وعياً متزايداً بطبيعة المعركة وتعقيداتها.