أكراد سوريا بين وحدة الصف وضمان الحقوق.. المؤتمر القومي الأول واستحقاقات المرحلة الجديدة

في مشهد سياسي لافت، انعقد في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة المؤتمر القومي الأول لأكراد سوريا، تحت شعار "وحدة الموقف والصف الكردي"، وسط تحولات دراماتيكية تشهدها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. حضر المؤتمر أكثر من 400 شخصية سياسية واجتماعية وثقافية، يمثلون مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، إلى جانب مشاركة فاعلة من أحزاب كردية في تركيا وإقليم كردستان العراق وشخصيات من دمشق وحلب وحماة والباب وإعزاز، في مشهد يعكس الطابع العابر للحدود للقضية الكردية.
جاء المؤتمر كرد فعل على أزمة تاريخية طويلة، اتسمت بتهميش الأكراد في سوريا وحرمانهم من أبسط حقوقهم السياسية والثقافية. فالمؤتمر مثل تتويجاً لمحاولات حثيثة لتوحيد الفصائل الكردية التي طالما شابتها خلافات حادة، خصوصًا بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD) الذي يقود "الإدارة الذاتية" و"المجلس الوطني الكردي"، اللذين تصادما مراراً منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد.
لكن التحدي الأكبر الذي واجهه المؤتمرون لم يكن فقط توحيد البيت الكردي الداخلي، بل أيضًا رسم ملامح جديدة لموقع الأكراد في سوريا المستقبل. فقد دعت الوثيقة السياسية التي أقرها المؤتمر إلى صياغة دستور سوري تعددي، يقوم على لا مركزية الحكم والتداول السلمي للسلطة، ويضمن حقوق جميع المكونات القومية والدينية دون استثناء.
تطور الخطاب الكردي
خلال كلمته الافتتاحية، شدد مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على أن وحدة الصف الكردي ليست دعوة للانفصال أو التقسيم، بل عامل داعم لوحدة الأراضي السورية. وأشار إلى ضرورة اعتماد نموذج لا مركزي يضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في الحكم، معتبرًا أن الأكراد ناضلوا منذ البداية من أجل وحدة سوريا لا تقسيمها.
وما يلفت في خطاب عبدي هو تحوله من الخطاب المحلي إلى خطاب وطني شامل، حيث جرى تأكيد أن تحقيق الحقوق الكردية يجب أن يتم داخل الإطار الوطني السوري، وليس على حساب وحدة الدولة.
محاور الوثيقة الكردية المشتركة
تضمنت الورقة السياسية المشتركة التي تبناها المؤتمر عدة مطالب رئيسية أبرزها:
الاعتراف الدستوري بالأكراد كمكون رئيسي في البلاد.
اعتماد اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية.
إنشاء نظام حكم لا مركزي يضمن توزيع السلطة والثروة بشكل عادل.
تمثيل الأكراد في المؤسسات الرسمية للدولة.
إلغاء القوانين الاستثنائية التي استهدفت الأكراد، وعلى رأسها إحصاء عام 1962 الذي جرد عشرات الآلاف من الجنسية السورية.
ضمان المساواة الكاملة بين الجنسين، وإعادة النظر في التقسيمات الإدارية بما يراعي الخصوصية السكانية.
الاعتراف بتضحيات قوات سوريا الديمقراطية، واعتبار مقاتليها شهداء، مع ضمان حقوق عائلاتهم.
إحياء التراث الثقافي الكردي عبر دعم الإعلام والتعليم باللغة الكردية.
المشاركة الإقليمية والدولية
لم تقتصر المشاركة على أكراد سوريا، بل امتدت إلى تمثيل أحزاب كردية من العراق وتركيا وإيران، ما يعكس الطابع الإقليمي للمسألة الكردية. وأرسل الزعيم الكردي مسعود البرزاني رسالة دعم عبر موفده عبد الحميد الدربندي، أكد فيها على ضرورة دعم حقوق الأكراد ضمن إطار وحدة سوريا.
هذه المشاركة الإقليمية سلطت الضوء على المخاوف التركية والإيرانية من أي مشروع كردي مستقل أو شبه مستقل في سوريا، وهو ما دفع القائمين على المؤتمر إلى التشديد في بياناتهم على احترام وحدة الأراضي السورية والسعي لعلاقات حسن جوار مع الدول المحيطة.
التحديات المستقبلية
رغم النجاح النسبي للمؤتمر في توحيد صفوف الأكراد سياسيًا، إلا أن تحديات كبيرة ما تزال ماثلة أمامهم، أهمها:
موقف النظام السوري الجديد ومدى استعداده للتفاوض مع وفد كردي موحد حول هذه المطالب.
ردود فعل قوى إقليمية مثل تركيا وإيران التي تتحسس بشدة من أي تحرك كردي قد يلهم أكرادها.
التوازنات الداخلية بين مختلف الفصائل الكردية، خاصة مع اختلاف الرؤى حول العلاقة مع دمشق والتحالفات الإقليمية والدولية.