انفجار بندر عباس.. أزمة وقود الصواريخ تفضح إدارة المخاطر الكيميائية في إيران

شهد ميناء بندر عباس الإيراني، السبت الماضي، واحداً من أعنف الانفجارات الكيميائية في تاريخه، مما أسفر عن مقتل 25 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من ألف آخرين، وفقًا للتقارير الرسمية. في البداية، نسبت السلطات الانفجار إلى سوء تخزين مواد كيميائية، إلا أن تحقيقات وتقارير دولية لاحقة كشفت عن أبعاد أخطر مرتبطة ببرامج التسلح الإيرانية.
شركة "أمبري" البريطانية للأمن البحري، ومقرها المملكة المتحدة، رجحت أن الانفجار نجم عن اشتعال شحنة من وقود الصواريخ الصلب، تم استيرادها حديثًا من الصين. الشحنة المشتبه بها تحتوي على مادة بيركلورات الصوديوم، وهي مادة كيميائية تدخل بشكل مباشر في تصنيع وقود الصواريخ الباليستية.
وبحسب تتبع بيانات السفن الذي أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، فإن سفينتين ("جيران" و"غلبن") كانتا قد نقلتا الشحنة إلى ميناء رجائي، بندر عباس، في مارس الماضي. السفينة "جيران"، الخاضعة للعقوبات الأمريكية، رُصدت تبحر من الصين إلى إيران، محملة بالمواد الكيميائية المخصصة لإنتاج الوقود الصاروخي.
وتشير المعلومات التي نشرتها "فاينانشيال تايمز" إلى أن الشحنة كانت موجهة إلى الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يزيد من حساسية القضية، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية والغارات الإسرائيلية التي استهدفت أخيرًا مصانع وقود صواريخ قرب طهران وغرب البلاد.
التقديرات الأمنية ذكرت أن الكمية المنقولة من بيركلورات الصوديوم – أكثر من ألف طن – كانت كافية لإنتاج نحو 960 طنًا من أمونيوم بيركلورات، وهي المادة التي تشكل 70% من وقود الصواريخ الصلب. ووفقًا لمصادر رسمية تحدثت إلى الصحافة البريطانية، هذه الكمية كانت تكفي لتزويد أكثر من 260 صاروخاً من طرازات إيرانية متوسطة المدى مثل "خيبر شكن" و"حاج قاسم".
سلوك تخزيني متهور رغم دروس الماضي
يثير انفجار بندر عباس تساؤلات جدية حول معايير الأمان الصناعي في إيران، خصوصًا أن حادثة مرفأ بيروت عام 2020، الناجمة عن انفجار نترات الأمونيوم، يفترض أنها شكلت درسًا قاسيًا للإدارة الإيرانية، التي مع ذلك تركت مواد عالية الخطورة مخزنة في الميناء.
لقطات فيديو تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت تصاعد دخان أحمر اللون قبل الانفجار، وهو مؤشر كيميائي على احتراق مواد مؤكسدة مثل بيركلورات الصوديوم. وبعد الانفجار، أظهرت الصور الجوية حرائق في عدة مناطق من الميناء، في ظل تحذيرات رسمية من تلوث الهواء بمواد سامة كالأمونيا وثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين.
على إثر الكارثة، أغلقت السلطات المحلية المدارس والمكاتب، فيما استمرت طائرات الهليكوبتر طوال الليل في إلقاء المياه لمحاولة السيطرة على الحرائق المتواصلة في ميناء "الشهيد رجائي"، الذي يعد أكبر مركز للحاويات في إيران.
روايات متضاربة وتحقيقات غامضة
أعلنت إدارة الجمارك الإيرانية أن "مخزون البضائع الخطرة" وراء الانفجار، دون ذكر تفاصيل عن نوعية المواد أو الجهات المالكة لها. المتحدث باسم إدارة الأزمات، حسين ظفري، أشار إلى أن تحذيرات سابقة كانت قد وُجهت لإدارة الميناء بوجود خطر من سوء تخزين المواد الكيميائية.
في المقابل، بدا أن الرواية الرسمية تحاول تقليل الأبعاد الاستراتيجية للانفجار عبر الإصرار على توصيفه كحادث تخزيني عرضي. غير أن التحركات السريعة التي اتخذها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بتكليف وزير الداخلية بإجراء تحقيق فوري، تُوحي بأن الأمر يحمل أبعادًا تتجاوز مجرد خطأ لوجستي.
بندر عباس.. ميناء استراتيجي تحت المجهر
يُعد ميناء بندر عباس، خاصة منطقة الشهيد رجائي، شريانًا اقتصاديًا حيويًا لإيران، نظراً لموقعه عند مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية. الانفجار حطم النوافذ على بعد عدة كيلومترات، وكان دويه مسموعاً في جزيرة قشم القريبة، ما يعكس ضخامة الحادث وأثره الواسع.
وسائل الإعلام الإيرانية، ومنها وكالة "تسنيم"، عرضت مشاهد لضحايا مضرجين بالدماء وسط الطرقات، في مشهد يعكس حجم الفوضى والقصور في الجاهزية لإدارة الكوارث.
تؤكد الحادثة أن تعامل إيران مع المواد الكيميائية عالية الخطورة، خاصة المرتبطة ببرامجها العسكرية، يتسم بقدر كبير من اللامبالاة بالإجراءات الوقائية. ويفتح انفجار بندر عباس الباب أمام تساؤلات خطيرة: إلى أي مدى تؤثر مثل هذه الحوادث على استقرار إيران الداخلي؟ وكيف يمكن أن تُستغل دوليًا للضغط على برنامجها الصاروخي؟
التحقيقات الرسمية قد تركز على الجوانب الإدارية لتحديد المسؤوليات، لكن المجتمع الدولي سيراقب عن كثب أي مؤشرات على تورط مباشر للحرس الثوري الإيراني في تخزين هذه المواد داخل منشآت مدنية، ما قد يشكل انتهاكًا إضافيًا للقوانين الدولية.