الوجه الآخر للعالم الغربي
يبدو أن العالم الغربي قد وصل إلى لحظة نادرة من التخاذل الهائل مؤخراً، بتجاهل مآسي وجرائم حرب إسرائيل على غزة، فالحرب التي أشعلت «حماس» فتيلها، قوبلت بهجوم إسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمر واستهدف المدنيين والمرافق العامة؛ كالمستشفيات والمدارس والمنازل، فكانت الحصيلة أرقاماً مروعة لم يتردد الغرب بتبريرها بأنها دفاع عن النفس لدولة احتلال، وهو ما يتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية، لذا فكيف لمحتل الحق بأن يدافع عن نفسه؟ وكيف للاتحاد الأوروبي والدول الغربية التي تتحدث عن القيم الأوروبية وحقوق الإنسان والقانون الدولي أن تتجاهل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل؟ والأدهى من ذلك عندما انتشرت صور قتل الأطفال والنساء جاءت انتقادات غربية على استحياء لإسرائيل ولم يطلبوا منها وقف الحرب، بل فقط استخدام أسلحة أقل تدميراً!!
ينبغي ألا يتم القفز عن الثمن الرهيب الذي دفعه المدنيون في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى المدنيين 14500، ووصل عدد الجرحى إلى 35 ألفاً، أما المفقودون فهم نحو 7000، بالإضافة إلى تدمير نحو 50 ألف منزل، وتضرر عشرات المستشفيات والمدارس، فإطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً من النساء والأطفال رغم أهميته؛ لأن حريتهم مهمة جداً، لكن مقابل ثمن كبير جداً لن تندمل جراح أهل غزة بسببه لسنوات طويلة، فكثير من العقبات تواجه حل قضية فلسطين.
والسبب في ذلك بالمقام الأول إسرائيل بسياساتها عبر 75 عاماً من الاحتلال، لتبقى قضية فلسطين ليست غريبة على القانون ومن صلب اختصاصه، إذ إن الإرادة الدولية بتأثير كبير من الغرب هي من تساند تل أبيب لعرقلة حل الدولتين، فضلاً عن أن احترام الأمم المتحدة والنظام الدولي القائم على القواعد بات يضعف بشكل ملموس، وأصبح هناك تشكيك في مدى جدوى مجلس الأمن الذي يتعطل في أي قرار عملي ضد إسرائيل.
لقد شعرت كثير من الشعوب بالإحباط بعد حرب إسرائيل على غزة، وهناك أسباب لهذا الإحباط، وهو الصمت الفاضح على الوحشية والقتل والإبادة من قبل مجلس الأمن وكل المنظمات الأممية ذات العلاقة بتنظيم العلاقة بين الدول وحماية السلم الدولي والحد من الحروب، فلسنا الوحيدين الذين لمسوا من كثب كيف بُهتت هذه الحقيقة، مع مرور الوقت، وكيف أصبح بريق تلك الصور التي تجلت بها الدول الكبرى في ماضي السنين، وكيف غدت اليوم بعد الوقائع المؤلمة التي عكست التشوهات التي طرأت على إنسانية العالم.
على مدار التاريخ كانت تستهدف إسرائيل الفلسطينيين من دون رادع، فمنذ زمن بعيد تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية ضد المدنيين، والقمع الشرس ولد انتفاضة لمواجهة موجة العنف والقتل، ففي 2008، كثفت إسرائيل عملياتها الهجومية ضد قطاع غزة، راح ضحية هذه الهجمات أكثر من 1300 روح، وأكثر من خمسة آلاف جريح خلال ثلاثة أسابيع، إلى متى ستبقى تستهدف إسرائيل الفلسطينيين ويتكرر المشهد مراراً، قتل ثم هدنة ثم مؤتمر مصالحة بين إسرائيل و«حماس»؟
وكما أن فشل المجتمع الدولي ومجلس الأمن ترك آثاره، وتفاقمت ظروف القهر والاستبداد، ولم تعد الأشكال التشريعية تلعب دورها الفعال، فالنظام العالمي الحالي في دائرة التناقض فشل إنسانياً وترتبت عليه مراجعة التحولات والنتائج وإعادة بناء التعاون ونشر السلام في العالم عوضاً عن الشعارات التي يتبناها ولا يطبقها.
بشكل عام لا بد من أن تحكم فلسطين السلطة الوطنية الفلسطينية كدولة تقوم في أساسها على أولوية الصف الواحد لكل مكونات المجتمع السياسي الفلسطيني تحت قيادة واحدة، فهي السبيل الوحيدة لتأسيس دولة مستقرة، وهذا يعني أن السلطة وحدها تشكل كل الوحدة السياسية، فالموقف الغربي يتلخص في التفاوض مع حكومة عباس حول مستقبل القطاع، والتفاوض مع العرب حول مستقبل غزة، وهو التعبير عن حالة سلطة وليس جماعة كجزء من حل الدولتين.