دور الإسلام في التعليم يثير مخاوف العلمانيين في تركيا
تثير الخطوات التي تتخذها تركيا لنشر القيم الأخلاقية التقليدية لدى الطلاب وزيادة دروس الدين الإسلامي وفتح قاعات للصلاة في المدارس مخاوف العلمانيين في البلاد وتظهر الخلافات حول الدور الذي يجب أن يلعبه الدين في التعليم.
كما تثير هذه الإجراءات، التي تم تطبيقها في الآونة الأخيرة، توترا حول موضوع مشحون للغاية بالفعل مع احتفال تركيا بمرور مئة عام على تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية العلمانية.
فخلال 20 عاما في السلطة، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، إسلامي الجذور، تشكيل تركيا وفقا لمعتقداته المحافظة، وفتح العديد من مدارس "الإمام الخطيب" الإسلامية تماشيا مع هدفه المتمثل في تنشئة "جيل ورع".
وتقول أحزاب المعارضة العلمانية والنقابات والعديد من أولياء الأمور إن نهجا إسلاميا يتوغل الآن في المدارس بشكل عام.
ومما يوضح تزايد التوتر أن نحو ألفي شخص نظموا احتجاجا في إسطنبول يوم الأحد ورددوا هتافات تعبر عن معارضتهم لأحدث السياسات المتعلقة بالدين في مسيرة دعمتها أحزاب معارضة رئيسية وجماعات يسارية.
وقال دوزجون أوجور (65 عاما) "حكومة حزب العدالة والتنمية أرجعت تركيا إلى الوراء حقا".
قال ذلك وهو يقف أسفل تمثال يصور أتاتورك وهو يعلم الأطفال الكتابة بالحروف اللاتينية التي حلت محل الحروف الفارسية العربية التي كانت مستخدمة في الإمبراطورية العثمانية، في إطار إصلاحات تحديث وعلمنة انتهجها قبل قرن من الزمان.
وقال أوجور "نريد إلغاء الدروس الدينية الإجبارية. يتعين أن يكون الأمر متروكا لنا لإعطاء دروس دينية للأطفال في المنزل وتربيتهم كما نريد... علمانيون وديمقراطيون وأحرار".
ونظمت المظاهرة مجموعات تمثل العلويين الذين يشكلون نحو 15 إلى 20 بالمئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة، ويتشكك العديد منهم في أهداف حزب العدالة والتنمية.
وزاد عدد مدارس الإمام الخطيب، التي تأسست لتعليم الدعاة والخطباء إلى نحو 1700 مدرسة من 450 مدرسة في عام 2002 عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لأول مرة. وقد زاد عدد طلابها ستة أمثال ليصلوا إلى أكثر من نصف مليون.
وبشكل منفصل، وبموجب اللائحة التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر تشرين الأول، يجب على جميع المدارس توفير غرف مخصصة للصلاة.
وقال كاظم أوزباي رئيس اتحاد قطاع التعليم (إيجيتيم إيس) لرويترز "يتم تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس (دينية) من خلال جعل مناهج المدارس الأخرى مماثلة لمناهج الإمام الخطيب".
ويتركز القلق العلماني على برنامج يطلق عليه اسم (جيديس) تقول وزارة التعليم إنه يستهدف تشجيع الأطفال على تبني "قيم وطنية وأخلاقية وإنسانية وروحية وثقافية" لكن المعارضين يقولون إن هذه القيم إسلامية في جوهرها.
ورفعت (إيجيتيم إيس) دعوى قضائية تسعى فيها إلى إلغاء مشروع جيديس، وهو مشروع مشترك بين وزارات التعليم والرياضة والشباب ومديرية الشؤون الدينية، على أساس أنه مخالف للدستور ومعاد للعلمانية.
ويشكون من أنه بموجب هذا المخطط يتم إرسال مئات الدعاة الإسلاميين أو الأئمة وغيرهم من المسؤولين الدينيين إلى المدارس. وتقول وزارة التعليم إنه لم يتم تعيين مثل هؤلاء "المستشارين الروحيين" في المدارس، حيث يشارك هؤلاء فقط في أنشطة خارج المدرسة.
ولم ترد وزارة التربية الوطنية (التعليم) على تساؤلات لرويترز بشأن مسألة الدين في التعليم. ونفى وزير التربية الوطنية يوسف تكين ووزارته وجود أي أجندة إسلامية ردا على العديد من الأسئلة البرلمانية من المشرعين الذين عبروا عن قلقهم بشأن المخطط.
وقال تكين "مشروع جيديس ليس تعليما أو تدريبا دينيا" مضيفا أنه يتماشى مع الدستور ويلقى ردود فعل إيجابية للغاية من أولياء أمور وطلاب ومعلمين في مرحلته التجريبية.
وتابع قائلا "المشروع عبارة عن نشاط خاص بناد يركز على تجربة وتطبيق القيم العالمية وقيمنا الوطنية" مؤكدا أن "أندية القيم" هذه طوعية وتتم بموافقة الوالدين.
ومع ذلك، سلطت النائبة نورتن يونتار من حزب الشعب الجمهوري العلماني وهو حزب المعارضة الرئيسي، الضوء على حدث في دائرتها الانتخابية في ولاية تكيرداغ بشمال غرب البلاد حيث قام الأطفال بتنظيف مسجد.
ونشر مكتب المسؤول الإسلامي المحلي صورا لأطفال مبتسمين يقومون بتنظيف المسجد وتلميعه وإزالة الغبار عنه، في واحدة من سلسلة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حول مثل هذه الزيارات للمساجد في إطار المخطط.
وقالت يونتار "تحاول حكومة حزب العدالة والتنمية تشكيل نظام التعليم في بلادنا بما يتماشى مع الأهداف الأيديولوجية القائمة على المبادئ الدينية".
أجندة خفية
اعترف أردوغان نفسه بوجود انقسام سياسي بشأن هذه القضية في خطاب ألقاه العام الماضي، حيث حيا طفلا صغيرا بين الحضور ووصفه بأنه جزء من "الجيل الورع".
وأضاف "هذا يُغضب حزب الشعب الجمهوري ويصيبه بالجنون عندما أقول الجيل الورع".
وتشمل أنشطة جيديس الأخرى المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي محادثات حول الأخلاق وزيارات للأشخاص المحتاجين والأنشطة البيئية مثل زراعة الأشجار وإزالة القمامة.
لكن عمر يلمظ رئيس رابطة الآباء التي تقوم بحملة ضد هذا المخطط نفى فكرة أنه ليس له دوافع دينية.
وقال "إنهم يصورون الأمر بهذه الطريقة لإعطاء المشروع مظهرا أكثر علمانية. عندما تنظر تحت السطح يمكنك أن ترى أن هناك أجندة خفية... إنهم يروجون لقيم دين معين".