بين بكين وبروكسل.. الصين تناور للانفراجة الأوروبية في ظل عزلة ترمب التجارية

في لحظة دولية تتسم بالتوترات التجارية والتحالفات المتبدلة، تسعى الصين بقيادة شي جين بينج إلى تحقيق انفراجة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، محاولة كسر حالة الجمود التي تعترض العلاقات بين الجانبين منذ سنوات. هذه المناورة الدبلوماسية تأتي قبيل "قمة بكين" المرتقبة في يوليو، حيث تطمح الصين إلى تقديم نفسها كشريك موثوق لأوروبا، في مواجهة سياسة العزلة والرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
مبادرات حسن نية وتحركات رمزية
في سياق هذه المساعي، تستعد بكين لاتخاذ خطوات رمزية ذات دلالة سياسية، من بينها رفع العقوبات عن عدد من نواب البرلمان الأوروبي، ما يُعتبر بادرة حسن نية لتليين الموقف الأوروبي. وتزامن ذلك مع دعوة رسمية من الخارجية الصينية لمزيد من الزيارات الأوروبية إلى بكين، في محاولة لإحياء جسور الثقة.
التجارة في صلب الأزمة التوترات الاقتصادية تشكّل محور هذه الأزمة، فبكين تبحث عن أسواق بديلة في أوروبا بعد العقوبات التجارية الأميركية، وتسعى إلى تخفيف حدة الخلافات المزمنة مثل النزاع حول السيارات الكهربائية، حيث يجري الاتحاد الأوروبي دراسة آلية بديلة لفرض الحد الأدنى للأسعار بدلاً من الرسوم المرتفعة التي فُرضت في العام السابق.
كما تحاول الصين تجاوز العقوبات الانتقامية، مثل الرسوم على الكونياك الفرنسي، والتي خُفّف وقعها بعد تأجيل تطبيقها لثلاثة أشهر. هذه المبادرات تعكس رغبة مشتركة في احتواء التصعيد وتهيئة مناخ سياسي ملائم لعقد الاتفاقيات المؤجلة.
الفجوة السياسية: روسيا وأميركا رغم التقدم النسبي في الملفات الاقتصادية، فإن المواقف السياسية تظل نقطة خلاف جوهرية، لا سيما في ظل دعم بكين المستمر لفلاديمير بوتين، ما يثير قلق القادة الأوروبيين. هذا القلق يتفاقم مع ضغوط أميركية متواصلة، إذ وصف وزير الخزانة الأميركي تقارب أوروبا مع الصين بأنه "قطع للرقبة"، في تحذير مباشر من مغبة الانجراف نحو بكين.
في المقابل، يرى بعض الأوروبيين أن من الواقعي تبنّي سياسة براجماتية لا تعادي الصين بالكامل، مع الحفاظ على التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة. ورغم الانجراف الأميركي نحو العزلة في عهد ترمب، فإن بروكسل لم تجد بديلاً استراتيجياً يوازي الثقل الأميركي.
الاتفاقية المجمدة.. فرصة للعودة؟
واحدة من أبرز رهانات القمة المقبلة هي محاولة إحياء اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، التي جُمّدت في 2021 بسبب العقوبات المتبادلة على خلفية ملف حقوق الإنسان في شينجيانغ. ويبدو أن الجانبين يدركان أهمية هذه الاتفاقية كمؤشر على قدرة الصين على اختراق التحالفات الغربية، وكمكسب أوروبي للوصول إلى السوق الصينية الواسعة.
ميزان معقّد وتحالفات مرنة في المشهد الدولي الراهن، تقف أوروبا بين ضغوط أميركية ومغريات صينية، في لحظة اختبار حقيقي لاستقلالية قرارها الاستراتيجي. تسعى الصين لأن تكون "البديل الموثوق"، بينما لا تزال أوروبا تعيش حالة تردد بين مصالحها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية. ما ستسفر عنه قمة بكين المقبلة قد يرسم ملامح جديدة لتحالفات ما بعد العولمة، في عالم تزداد فيه الانقسامات وتتشكل فيه محاور جديدة.