اضطراب في قدسية الذكرى.. كيف لوّث النازيون الجدد ذكرى أنزاك في أستراليا

في مشهدٍ غير مألوف، شابت مراسم "يوم أنزاك" في مدينة ملبورن الأسترالية حالة من الفوضى، بعدما تعمّدت مجموعة يُعتقد أن قائدها من أتباع "النازيين الجدد" مقاطعة الحدث الوطني بصيحات استهجان، مستهدفة كلمة أحد ممثلي السكان الأصليين. الحدث أثار موجة تنديد سياسي وشعبي، خصوصاً وأن "يوم أنزاك" يُعدّ من أكثر المناسبات احتراماً في الوعي الجمعي الأسترالي، حيث يُكرّم الجنود الذين خدموا وماتوا في الحروب.
تفاصيل الحادثة.. استهداف رمزية الأصل والتاريخ
المقاطعة وقعت أثناء كلمة ألقاها مارك براون، المنتمي لقبيلة "جونديتجمارا"، وهي كلمة تقليدية يلقيها شيوخ السكان الأصليين في مستهل الفعاليات. مجموعة صغيرة قادها الناشط اليميني المتطرف المعروف جاكوب هيرسانت، عمدت إلى تعطيل الكلمة في ما وصفته تقارير إعلامية بـ"حيلة منسقة" أظهرت استخفافاً برمزية المناسبة واحتقاراً لدور السكان الأصليين في التاريخ الأسترالي.
هيرسانت، الذي سبق وأُدين بأداء "التحية النازية" في مناسبة عامة، عاد للواجهة في ظل استعدادات البلاد لانتخابات وطنية مرتقبة في 3 مايو، ما أثار تساؤلات حول تصاعد نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة واستغلالها للأحداث الرمزية لبث رسائلها العنصرية.
ردود الفعل.. إجماع سياسي ورفض شعبي
رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز وصف التصرف بأنه "عمل جبان ومنحط"، مؤكدًا أن القانون يجب أن يُطبق بكامل صرامته على المتورطين. من جانبه، شدد زعيم المعارضة بيتر داتون على أن "النازية الجديدة لا مكان لها في مجتمع ديمقراطي"، وندد بمحاولة فرض الصوت المتطرف على المراسم الرسمية. كما عبّر نائب رئيس الوزراء ريتشارد مارليس عن استيائه، واصفًا المتسببين في الحادث بـ"الأغبياء الذين يسيئون لتقاليد مقدسة".
مغزى الحدث.. ما وراء الاستفزاز
تُشير هذه الحادثة إلى أزمة أعمق تتعلق بصعود تيارات متطرفة في بعض الأوساط الأسترالية، تستغل الفضاء العام والمناسبات الوطنية لترويج خطاب الكراهية والعنصرية. والأخطر، أن هذه التيارات لا تستهدف الدولة فقط، بل تحاول تقويض مفاهيم الهوية والتعدد الثقافي والمصالحة مع السكان الأصليين، وهي ثوابت عملت أستراليا طويلاً على ترسيخها.
في سياق الانتخابات.. اختبار لقيم الأمة
مع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن الحكومة الحالية مطالبة بتقديم موقف أكثر حزماً من هذه الجماعات، ليس فقط عبر القانون، بل من خلال سردية سياسية واضحة تدافع عن القيم الوطنية التي يجسدها "يوم أنزاك". فالمعركة لم تعد فقط بين أحزاب، بل بين مستقبلين: أحدهما يؤمن بالشمول والتاريخ، والآخر يروج للإقصاء والتطرف.
معلومات عن يوم أنزاك
يوم أنزاك (Anzac Day) هو مناسبة وطنية تحظى بمكانة كبيرة في أستراليا ونيوزيلندا، يتم إحياؤها سنوياً في 25 أبريل، تخليداً لذكرى الجنود الذين خدموا وماتوا في الحروب والصراعات العسكرية، وبخاصة خلال الحرب العالمية الأولى.
أصل التسمية:
ANZAC هي اختصار لـ "Australian and New Zealand Army Corps" أي فيلق الجيش الأسترالي والنيوزيلندي، الذي قاتل ضمن قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
خلفية تاريخية
يعود أصل المناسبة إلى هبوط قوات الأنزاك على شواطئ غاليبولي في تركيا عام 1915، في محاولة للسيطرة على شبه جزيرة غاليبولي وفتح ممر بحري إلى روسيا.
الحملة كانت دموية وفاشلة عسكرياً، لكنها أصبحت رمزاً للتضحية والشجاعة، وأسست لما يُعرف بـ"روح الأنزاك".
تبدأ الاحتفالات بـ مراسم فجر (Dawn Service) في أماكن مختلفة من أستراليا ونيوزيلندا، حيث يتجمع الناس بهدوء لتكريم أرواح الشهداء.
تقام مسيرات عسكرية ومجتمعية، ويُلقى خطاب رسمي وتُتلى قصائد وطنية مثل "For the Fallen".
يتم وضع أكاليل الزهور على النصب التذكارية، وتُقرأ أسماء الجنود الذين سقطوا.
رمزية يوم أنزاك
يتجاوز كونه ذكرى عسكرية ليُصبح رمزاً لـ الهوية الوطنية، وروح التضحية والتكاتف.
يشمل تكريماً ليس فقط لجنود غاليبولي، بل لكل من خدم في جميع الحروب والصراعات وعمليات حفظ السلام التي شاركت فيها أستراليا ونيوزيلندا.