روسيا وطالبان.. تقاطع المصالح في وجه داعش وسط ملامح تقارب حذر

في خطوة تُمثل تحولاً استراتيجياً في السياسة الروسية تجاه أفغانستان، أعلنت موسكو رفع الحظر المفروض على حركة طالبان منذ أكثر من عقدين، في مؤشر واضح على تقارب متنامٍ مدفوع بهدف مشترك: مكافحة تنظيم داعش – العدو الأخطر للطرفين.
هذا التحول جاء بعد نحو عام من تصريحات للرئيس فلاديمير بوتين وصف فيها طالبان بـ"الحليف" في الحرب ضد الإرهاب، وهي تصريحات بدت حينها مثيرة للجدل، لكنها اليوم تبدو جزءاً من سياسة روسية عملية تعكس أولويات الأمن القومي ومقتضيات الجغرافيا السياسية.
تحول استراتيجي ضد خطر مشترك
قرار موسكو، الذي اعتبره محللون غير مفاجئ، يحمل دلالات أمنية بحتة. فتنظيم "داعش-خراسان"، وهو الفرع الأخطر لداعش في المنطقة، بات يشكل تهديداً مباشراً لروسيا، خاصة بعد تبنيه للهجوم الدامي على قاعة "كروكس سيتي هول" في موسكو في مارس 2024، والذي راح ضحيته أكثر من 137 شخصاً، في أسوأ هجوم تشهده البلاد منذ عقدين.
جون هيربست، من مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، اعتبر أن هذه الخطوة الروسية "مُوجهة ضد داعش تحديداً"، فيما يرى المحلل السياسي الأفغاني فيض الله جلال أن الاعتراف الضمني بطالبان قد يفتح الباب أمام اعتراف رسمي، في ظل سعي الحركة لكسب شرعية دولية رغم سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
شرعية سياسية وتبادل دبلوماسي
رغم أن أي دولة لم تعترف رسمياً بعد بحكومة طالبان، إلا أن وزارة الخارجية في كابول أعلنت مؤخراً أن روسيا وافقت على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفير، ما يعكس تبلور علاقة سياسية أعمق.
هذا "التقارب الحذر"، كما تصفه بلومبرغ، يعكس مصلحة متبادلة. فروسيا، التي لا تزال تتوجس من التهديدات الإرهابية القادمة من آسيا الوسطى، ترى في طالبان حائط صد ممكن ضد تمدد داعش في المنطقة. أما طالبان، فتسعى لاستثمار هذه العلاقة لتخفيف عزلتها الدولية، وجذب استثمارات تخفف أزمتها الاقتصادية المتفاقمة.
مقاربة براجماتية رغم الإرث الدموي
تاريخ العلاقة بين موسكو وكابول محفوف بالدماء، منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان في 1979، والذي أشعل حرباً دامت عقداً. إلا أن الظروف الجيوسياسية اليوم دفعت الطرفين لتجاوز هذا الإرث.
زيارات رفيعة المستوى، أبرزها زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرجي شويغو إلى كابول، وتصريحات وزير الخارجية سيرجي لافروف التي شدد فيها على "أخذ واقع طالبان في الاعتبار ضمن سياسة براجماتية"، كلها تعكس نهجاً روسياً يقوم على المصالح لا الإيديولوجيا.
بوادر تعاون اقتصادي
ورغم تواضع حجم التبادل التجاري – الذي بلغ نحو 227 مليون دولار خلال أول ثمانية أشهر من 2024 – إلا أن هناك مؤشرات على توجه نحو تعاون أوسع، خاصة في مجالي الطاقة والزراعة. فبحلول نهاية العام، أصبحت أفغانستان أكبر مستورد للدقيق الروسي، وهو ما يعكس بداية شراكة اقتصادية قابلة للنمو.
يتقاطع طريق طالبان وروسيا حالياً عند نقطة أمنية حساسة، حيث يشكل تنظيم داعش عدواً مشتركاً. ورغم أن هذا التقارب لا يعني تغييراً جذرياً في مواقف المجتمع الدولي من طالبان، إلا أنه يؤشر إلى واقع جديد في السياسة الإقليمية، تُهيمن فيه البراغماتية على الإيديولوجيا، وتُدار فيه التحالفات بأدوات الضرورة لا القيم.