روسيا أثبتت حسن نيتها.. ترمب يعيد رسم مشهد الحرب الأوكرانية الروسية

في تصريح لافت يحمل أبعاداً استراتيجية وسياسية معقّدة، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن روسيا أبدت "تنازلاً كبيراً" بتوقفها عن محاولة السيطرة الكاملة على أوكرانيا، معتبراً ذلك نقطة تحول محتملة في مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. التصريحات، التي جاءت في سياق اجتماع جمعه برئيس الوزراء النرويجي، عكست محاولة ترمب للظهور كوسيط حاسم في مساعي السلام بين موسكو وكييف، رغم تعقيد المشهد الميداني والدبلوماسي.
أبرز ملامح الأزمة في ضوء تصريحات ترمب:
1. التنازلات الروسية المفترضة: ترمب يرى أن وقف موسكو لمحاولة "السيطرة على أوكرانيا بأكملها" يُعد بمثابة تنازل، ما قد يُشير إلى قبول ضمني من الكرملين بتسوية جزئية لا تشمل ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية. لكن هذه "التهدئة التكتيكية" تبقى مشروطة بواقع ميداني لا يزال يشهد ضربات صاروخية عنيفة، مثل تلك التي طالت كييف مؤخراً، والتي قال ترمب إنه "لم يكن سعيداً بها"، معتبراً أنها تهدد مسار المفاوضات.
2. الضغوط الأميركية وأدوار الوساطة
أوضح ترمب أن إدارته تمارس "ضغوطاً كبيرة" على طرفي النزاع، ولا سيما على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يعكس رغبة أميركية في تفعيل دبلوماسية القوة الناعمة لتحقيق وقف لإطلاق النار. لكن في الوقت نفسه، لم يُغفل الرئيس الأميركي إشارة إلى تعقيد التعامل مع الجانب الأوكراني، وخصوصاً الرئيس زيلينسكي، الذي وصفه بأنه "أصعب من بوتين" في التفاوض، ما يكشف عن تباين في تقدير المواقف داخل الإدارة الأميركية.
3. مصير الأراضي المحتلة، وحديث القرم
من اللافت أن ترمب أعاد التذكير بأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم تم في عهد إدارة أوباما، ملمحاً إلى صعوبة التراجع عن هذا الواقع السياسي بعد أكثر من عقد. كما أشار إلى إمكانية التوصل لتفاهمات جزئية بشأن الأراضي الأخرى التي تسيطر عليها موسكو حالياً، وإن ربط الأمر بتعقيدات "الحدود والمناطق"، وهي صياغة ضبابية تفتح المجال لتسويات رمادية، قد لا تُرضي أوكرانيا.
4. الدور الأميركي بين الحياد والدعم
برغم تأكيده أن واشنطن لا تفضل طرفاً على آخر، أشار ترمب إلى حجم "المال الذي أنفقته الولايات المتحدة" على الحرب، مبرزاً البعد الإنساني كحجة لدفع عملية السلام. ويُفهم من هذا التصريح أن إدارة ترمب، أو ما تبقى من نفوذ سياسي له، تسعى لإقناع الداخل الأميركي بضرورة إنهاء النزاع عبر تسوية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.
5. مبادرات السلام.. ما بين التصريحات والواقع
يأتي تصريح وزير الخارجية ماركو روبيو مكملاً للطرح، حيث أكد أن واشنطن قدمت مسارات واضحة لإنهاء الحرب، لكن تبقى الموافقة النهائية بيد موسكو وكييف. ويعكس هذا الطرح رغبة أميركية في تسويق صورة الوسيط النزيه، وإن كان الواقع يقول إن طرفاً ثالثاً، كالصين أو تركيا، قد يكون أكثر قبولاً في عيون الطرفين المتصارعين.
تصريحات ترمب تعكس محاولة لإعادة تموضع أميركي في الملف الأوكراني، حيث يسعى لتوظيف أزمة جيوسياسية معقدة كورقة داخلية وخارجية، خصوصاً مع اقتراب موسم الانتخابات. لكنه أيضاً يسلط الضوء على فجوة حقيقية بين الرغبة في السلام والواقع العسكري والدبلوماسي على الأرض، حيث لا يزال الطرفان، رغم الإرهاق، يتمسكان بمواقف حدّية. وبين ضغوط ترمب و"تنازلات بوتين" وتصلب زيلينسكي، يبقى السلام في أوكرانيا رهين لعبة معقدة من المصالح والصراعات، لا يبدو أن نهايتها قريبة.