فوضى في البنتاغون.. تحقيقات وتسريبات وتقلص الثقة في وزير الدفاع الأميركي

تعيش وزارة الدفاع الأميركية واحدة من أكثر لحظاتها اضطراباً منذ سنوات، في ظل قيادة الوزير بيت هيجسيث الذي يبدو أن ولايته القصيرة حتى الآن تحوّلت إلى مصدر توتر داخلي وصراع مؤسسي غير مسبوق. فحسبما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، فإن حالة من الانقسام والريبة تسود البنتاغون، إثر سلسلة من التسريبات التي هزّت أركان الوزارة وأشعلت فتيل أزمة داخلية معقدة.
نقطة الانفجار.. إحاطة سرية لإيلون ماسك
بدأت الأزمة في مارس الماضي، عندما تسرّبت معلومات تفيد بأن الوزير هيجسيث كان يعتزم تقديم إحاطة سرية لرجل الأعمال إيلون ماسك بشأن سيناريوهات الحرب المحتملة مع الصين. هذا التسريب لم يكن مجرد خرق أمني، بل فجّر غضباً في البيت الأبيض، لا سيما بسبب ارتباط ماسك بعلاقات تجارية مع بكين، مما اعتُبر تهديداً للأمن القومي. الغضب وصل إلى الرئيس دونالد ترمب، الذي اعتبر الواقعة تهديداً مباشراً لولايته الثانية ومشروعه الدفاعي.
اتهامات واستجوابات و"كشف كذب"
هيجسيث، المعروف بخلفيته الإعلامية أكثر من خبرته العسكرية، ردّ بغضب على التسريبات، واتهم الجنرال كريستوفر جرايدي – القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان المشتركة – بالوقوف وراءها، مهدداً إياه باستخدام جهاز كشف الكذب. رغم أن جرايدي لم يُخضع للفحص، إلا أن الوزير واصل حملته، مستهدفاً ضباطاً ومسؤولين آخرين، من بينهم الفريق دوج سيمز، ما ساهم في تعميق أجواء الشك وانعدام الثقة داخل دوائر القرار.
تحقيقات مفتوحة ومخاوف من إساءة استخدام المعلومات السرية
تعمّقت الأزمة مع فتح تحقيق رسمي من قبل المفتش العام في البنتاغون ضد هيجسيث نفسه، بشأن اتهامات بإساءة التعامل مع معلومات سرية. التسريبات لم تتوقف عند إحاطة ماسك، بل كشفت عن مشاركة زوجته – المنتجة السابقة في "فوكس نيوز" – في اجتماعات مغلقة، وتسريبات عن خطط محتملة بشأن قناة بنما، وتبادل معلومات عسكرية عبر تطبيق "سيجنال"، في مجموعات خاصة ضمّت زوجته ومحاميه الشخصي.
ترمب بين الدعم والريبة
رغم دعمه العلني لهيجسيث ووصفه له بأنه "يقوم بعمل عظيم"، إلا أن تقارير الصحيفة أشارت إلى أن الرئيس ترمب بدأ في مراقبة أداء الوزير عن كثب، وطلب تقارير مفصلة من مستشاريه. وقد أظهرت المؤشرات أن هيجسيث أصبح قلقاً بشكل متزايد بشأن نظر الرئيس إليه، حيث قضى ساعات طويلة في مكالمات لدعم موقفه خارج أسوار البنتاغون، حتى خلال رحلاته الرسمية.
انهيار هيكلي داخل الوزارة
خلال أسابيع، فقد مكتب هيجسيث كبار موظفيه. إقالات جماعية واستقالات بالجملة ضربت البنية الإدارية المحيطة بالوزير. أكثر من خمسة مستشارين غادروا، بعضهم أُحيل إلى التحقيق الجنائي دون إثبات تهم واضحة. ومع غياب كبير الموظفين ونائبه والمستشار الرئيسي، أصبحت قيادة الوزارة شبه مشلولة.
تداعيات خطيرة على برامج استراتيجية
الارتباك الإداري والفراغ في المناصب العليا أثرا بشكل مباشر على برامج عسكرية استراتيجية، أبرزها مشروع "القبة الذهبية"، نظام الدفاع الصاروخي الوطني الذي يتبناه ترمب شخصياً. كما أشارت مصادر إلى احتمال تأجيل إعلان الميزانية الدفاعية الجديدة، التي يتوقع أن تتجاوز تريليون دولار وتتضمن تغييرات هيكلية كبرى في المشتريات والتسليح.
تقلّص الدائرة وثقة مهزوزة
في محاولة للسيطرة على الموقف، ضيّق هيجسيث دائرته المقربة، ليبقي على زوجته، ومحاميه، وضابط متقاعد كمستشار رئيسي، في ما وُصف بأنه "حصار نفسي" أكثر منه تنظيم إداري. وعلى الرغم من النصائح بالهدوء الإعلامي، اتجه الوزير إلى الهجوم، مهاجماً الصحافة ومتهماً "الدولة العميقة" بتقويض عمله.
تساؤلات مستقبلية.. إلى متى يستمر؟
مع مرور مئة يوم فقط على توليه المنصب، يجد هيجسيث نفسه في موقف صعب: فقد الدعم الداخلي في البنتاغون، ويواجه شكوكاً رئاسية متزايدة، وتباطؤاً في القرارات التنفيذية، ومخاوف متنامية داخل الكونغرس من ضعف القيادة. وبينما يتردد اسمه كأحد رموز قاعدة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، فإن الواقع داخل جدران الوزارة يعكس صورة رجل محاصر… بقراراته، وبتصرفات فريقه، وبطموحه السياسي الذي يبدو أنه اصطدم بجدار المؤسسة العسكرية.