اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون مدير التحرير التنفيذي محمد سلامة
«رحيل بيترو» يزلزل شوارع كولومبيا .. احتجاجات حاشدة ضد سياسات الرئيس وكيل الأزهر: مأساة الشعب الفلسطيني‏ تحدث أمام مجتمع دولي يقف متفرجًا وعاجزًا بإجمالي 560 دارس.. فتح باب قبول دفعة جديدة برواق الخط العربي بالجامع الأزهر 44211 شهيدًا حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة شيخ الأزهر وقرينة رئيس جمهورية كولومبيا يطالبان بموقف جاد تجاه الحد من صناعة الأسلحة رومانيا على أعتاب تحول سياسي.. صعود اليمين المتطرف يهدد استقرار البلاد في الانتخابات الرئاسية تركيا ترد بقوة على شائعات نقل مكتب حماس الضربات الصاروخية في أوكرانيا.. سياسة حافة الهاوية وتداعياتها السياسية والعسكرية الانتخابات البلدية في ليبيا.. تأخير الإعلان عن النتائج يثير الجدل والمخاوف من التزوير مشروع الميزانية.. أزمة سياسية جديدة تعصف بفرنسا وحكومة بارنييه مهددة بسحب الثقة في الذكرى ال 44 لرحيله.. محطات في حياة الشيخ محمود خليل الحصري أبو الغيط: الحروب الغاشمة التي تخوضها إسرائيل بالمنطقة تخصم من فرص الشعوب في التنمية وتحقيق الاستدامة

دفن حرب «نتنياهو»

عبد الحليم قنديل
عبد الحليم قنديل

عبدالحليم قنديل

قد لا تبدو من نهاية وشيكة لحرب الإبادة "الإسرائيلية" الجماعية ضد الفلسطينيين فى "غزة"، لكن أحاديث النهايات ليست متوقفة فقط على ما يقال عنها ضغوطا أمريكية، ولا على مفاوضات ووساطات التسويات الجارية فى "القاهرة" أو من "الدوحة"، بل مرتبطة بالضرورة وأساسا بمجرى العمليات الحربية، وبمقدرة المقاومين الفلسطينيين على دفن حرب "بنيامين نتنياهو" رئيس وزراء العدو، وإحباط أهدافها المعلنة عسيرة التحقق، ومضاعفة الضغوط على الداخل "الإسرائيلى" لوقف الحرب والعدوان .


وبعد أيام تقترب الحرب من نهاية شهرها الثالث، ومن دون أن يحقق العدو الأمريكى ـ "الإسرائيلى" شيئا مما حلم به، كان العدو يتصور أنها فقط فسحة أيام أو أسابيع، وتتحقق أهدافه كلها فى غمضة عين، وتزول حركة "حماس" وأخواتها، ويعود الأسرى الإسرائيليون والأمريكيون بالقوة المسلحة، وتنفتح الطريق لإنشاء إدارة موالية للعدو فى "غزة"، ولم يدخر العدو شيئا كان بوسعه، وصب قوة نيران هائلة بدمار نووى على رأس "غزة" الصغيرة فى مساحتها، والمختنقة من كافة جهاتها، ومن دون أن ينجح إلا فى جلب زلازل الدمار وتفجير شلالات الدماء وتقطيع الأشلاء البشرية، وعلى نحو أوسع وأعنف مما شهدته أى حرب معاصرة أو حديثة، فقد جاوز دمار "غزة" ما حدث للمدن الألمانية فى نهايات الحرب العالمية الثانية، هذا إذا أخذنا معامل الزمن النسبى فى الاعتبار، إضافة لدفع ثلثى سكان "غزة" إلى النزوح جنوبا ، وتحويل أكثر من ثلثى المبانى ـ خاصة فى الشمال ـ إلى أنقاض.

ومن دون أن يستثنى القصف الهمجى مسجدا ولا كنيسة ولا مدرسة ولا مستشفى ولا مخبزا ولا محطة تحلية مياه ، فضلا عن استشهاد وجرح ما يزيد على ثمانين ألف فلسطينى إلى اليوم ، غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء ، مع إشاعة غوائل الأوبئة والجوع بين من بقوا على قيد الحياة ، وإلى حد بالغ الكارثية غير المسبوقة ، لخصه "أنطونيو جوتيريتش" سكرتير عام الأمم المتحدة فى عبارة صادمة حزينة ، لم تجد صداها ، فقد قال "جوتيريتش" ببساطة مرعبة ، أن أربعة من بين كل خمسة أشخاص هم الأكثر جوعا فى الدنيا كلها من أهل "غزة".

ومن دون أن تجد صرخة الأمم المتحدة انتباها دوليا كافيا ، وكان التحرك الأخير اليتيم لمجلس الأمن فى القرار الموسوم بزيادة الإغاثات الإنسانية للمنكوبين ، وتعيين مبعوث أممى لتوسيع نطاق المساعدات ، ومن دون إلغاء شرط التفتيش "الإسرائيلى" المعرقل لتدفق وعبور الشاحنات ، وهو ما دفع "جوتيريتش" نفسه إلى إعلان الاحتجاج ، وقال ما معناه أنه لا يمكن نجدة أهل "غزة" بدون وقف فورى ودائم لإطلاق النار ، وهو ما لا تؤيده واشنطن إلى اليوم ، وتقف وحدها معزولة عن الحس النامى للمجتمع الدولى ، كما بدا فى اتجاهات التصويت الغالبة فى الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولى ، التى بدت فيها واشنطن بوضع منبوذ متعجرف ، لا يهمها سوى مصلحة "إسرائيل" ، فلهذه "الإسرائيل" حكومتان ، واحدة فى فلسطين المحتلة والأخرى فى واشنطن ، والحكومة الأخيرة تدرك أكثر عمق المأزق الراهن ، وما جرى من تدمير شامل لسمعتها الدولية ، وتجريف كامل لمصداقيتها المكذوبة ، سواء فى الميدان الحربى ، الذى قدمت إليه كل ما تملك ، وحشدت لأجله أكبر حاملات طائراتها ومدمراتها النووية فى المنطقة ، وسيرت قوافل وجسور إمداد جوى وبحرى بأحدث الأسلحة وأضخم القنابل الفتاكة الذكية والغبية إلى "إسرائيل" ، وشاركت فعليا فى التخطيط لمعارك "إسرائيل" فى "غزة" ، إضافة لطائرات "الأواكس" والمسيرات المتطورة لمراقبة "غزة" كلها ، وإرسال قوات "دلتا" الخاصة ومشاة البحرية على حواف جغرافيا القتال ، ومن دون أن يؤدى الحشد الأمريكى الرهيب إلى نجدة مؤثرة لجيش الاحتلال، الذى تفاقمت خسائره فى الضباط والجنود ، وصارت بالمئات تلو المئات فى حدود ما يعلن عنه الجيش نفسه.

إضافة إلى نزيف متصل فى العسكريين الإسرائيليين المصابين بجروح وإعاقات خطيرة ، وقد وصل عددهم إلى ما يفوق 11 ألفا باعتراف الإعلام الإسرائيلى نفسه ، واضطرار العدو إلى سحب قوات من "لواء جولانى" ، وهم نخبة النخبة من "غزة" ، فى هزيمة عسكرية مشينة ، اعترف بها قادة العدو نفسه من كبار الساسة والجنرالات ، ومن رؤساء الوزارات السابقين على طريقة "إيهود أولمرت" و"إيهود باراك" ، ومن جنرالات سابقين شاركوا فى قيادة حروب "إسرائيل" العدوانية السابقة ، بينهم نائب رئيس الأركان "الإسرائيلى" السابق "يائير جولان" و"دان حالوتس" رئيس الأركان الأسبق ، وقد قالوا مع غيرهم بوضوح ، أن "إسرائيل" خسرت الحرب ضد "حماس" منذ هجوم السابع من أكتوبر المزلزل إلى تاريخه ، وأن معدلات الخسائر اليومية لجيش الاحتلال غير مسبوقة منذ عقود ، وأنه آن الأوان للاعتراف بالحقيقة ، وهى أنه لدى "إسرائيل" اليوم جيش ضعيف واستخبارات عظيمة الفشل.

وحذر الجنرال "حالوتس" من حرب أهلية فى "إسرائيل" بسبب ميليشيات "بن غفير" وزير الأمن القومى الإسرائيلى الأكثر تطرفا وسوقية فى الحكومة القائمة ، وقال أن الانتصار الوحيد الممكن لإسرائيل يكمن فى إزاحة "نتنياهو" ، الذى يستمسك باستمرار الحرب لحسابات شخصية ، ولمعرفته الأكيدة أن يوم توقف الحرب هو يوم نهاية سيرته السياسية الطويلة ، وانتقاله إلى مزابل التاريخ ، إما بالذهاب إلى السجن فى قضايا فساد وتحايل ، يبدأ نظرها قضائيا فى فبراير المقبل ، أو فى تحميله مسئولية إذلال "إسرائيل" فى هجمة السابع من أكتوبر ، التى كانت حوادثها الطوفانية أشبه ببروفة مبكرة لنهاية الكيان "الإسرائيلى" ، ومن دون أن تتوقف كوارث "إسرائيل" عندها ، بل زادت بعدها معدلات الهروب من الكيان بالهجرة العكسية ، أو فى انكماش "إسرائيل" بنزوح مئات آلاف المستوطنين من الشمال والجنوب إلى مدن الداخل المحتل ، وسحق أسطورة جيش الاحتلال القوى الذى لا يقهر ، ومرمطة جنوده وضباط نخبته على يد "كتائب القسام" وأخواتها فى معارك "غزة" ، الأكثر ضراوة وفتكا بمعنويات جيش الاحتلال وجمهوره المفزوع .


والمحصلة فيما جرى ويجرى ، أننا بصدد طرفين على جبهات النار ، طرف فلسطينى ينزف وينزح وتدمر موارد حياته ، وبأفظع مما حدث قبلا فى احتلال الخمسة والسبعين سنة ومجازره التى لا تحصى ، لكنه يبدى احتمالا وصبرا على المكاره والآلام المريعة والمحارق المروعة ، وصمودا أسطوريا فوق ركام المحن وأشلاء الاطفال والرضع والنساء والشيوح والعائلات المجتثة من الأجداد للأحفاد ، ويلتف حول كتائب المقاومة ، التى تبهر العالم بالتفوق الكاسح لعقيدة قتالها ، وبالإبداع المذهل فى فنون القتال ، فى مواجهة جيش الاحتلال المذعور المختبئ وراء أستار التكنولوجيا ، ويستقوى بقصف الطائرات والبوارج والمدافع من بعيد ، لكنه يبدو خائرا فى جولات قتال الرجال وجها لوجه ، ويبدو جنرالاته ضائعون فى متاهة حرب "غزة" ، غارقون فى وحلها ، يعلنون عن مراحل ثانية وثالثة ورابعة فى الحرب ، وهم لم يكملوا بعد المرحلة الأولى من الغزو البرى فى شمال القطاع ، ويلجأون إلى ما يسمونه إعادة تموضع ، وانسحابات من أحياء ومناطق ومخيمات دخلوها أول أيام التوغل البرى ، ويتحدثون عن هدف إقامة منطقة عازلة بطول حدود شمال وشرق وربما جنوب "غزة" ، قد تكون هدفا مثاليا لنشاط حركات المقاومة بعد توقف الحرب ، التى يصر "نتنياهو" وجنرالاته على استدامتها لمدى غير معلوم.

ويواجه نتنياهو غضب وتذمر قطاعات متزايدة داخل التجمع "الإسرائيلى" ، أظهرها مظاهرات أهالى الأسرى المحتجزين لدى "حماس" وأخواتها ، وقد بان فشل "نتنياهو" المتكرر المزمن فى إطلاق سراحهم بما يسميه ضغطا عسكريا ، بل قتل جيشه المذعور كثيرا منهم ، وهو ما يزيد من سخط ومخاوف أهالى الأسرى ، وبالذات مع إحباط مساعى "إسرائيل" فى الإفراج عن بعضهم مقابل هدن موقوتة ، فيما تتمسك "حماس" بصفقة شاملة ، لن تتم بغير وقف الحرب والعدوان "الإسرائيلى" ، والانسحاب الكامل من "غزة" ، والإفراج الكامل عن كافة الأسرى الفلسطينيين المحتجزين فى سجون العدو ، إضافة لخطط إعادة إعمار كل ما تدمر ، والموقف "الحماسى" معروف للمتابعين ، وقد سمعته شخصيا من السيد "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسى لحركة "حماس" ، عبر اتصال هاتفى ، بادر إليه متكرما ، حين كان فى زيارة قريبة إلى "القاهرة" ، وبما يعنى أن شروط "حماس" ليست إعلامية فحسب ، بل هى جوهر موقفها التفاوضى عبر الوسطاء العرب والأمريكيين ، وعن إدراك ظاهر لحرج الموقف الأمريكى ، الذى صدم بفشل خطة الحرب المتفق عليها مع "نتنياهو" ، ويتطلع لإنقاذ "إسرائيل" من حماقات وتهور وعشوائية حكومتها ، بينما يبدو موقف المقاومة مبنيا على قاعدة صلبة ، حجر الأساس فيها هو القتال بلا هوادة ، وإيقاع أكبر خسائر بشرية عسكرية بالعدو ، و"خض ورج" تفاعلات التجمع "الإسرائيلى" المحبط ، وإلى يوم غير بعيد ، تدفن فيه حرب "نتنياهو" البربرية الإجرامية .