(لن أعيش في جلباب أبي).. اتحاد العالم الإسلامي يحاور نقيب المنشدين الدينيين في مصر حول الفن العربي والغربي وروحانيات المديح
نقيب المنشدين، وفارسهم، وسليل بيت الإنشاد من أوسع أبوابه؛ كيف لا وهو نجل أحد عمالقة وأعمدة فن الإنشاد الديني في مصر والعالم العربي، والإسلامي -الشيخ ياسين التهامي- عميد الإنشاد. ورث فن الإنشاد، غير أنه رفع شعار (لن أعيش في جلباب أبي) فأضحى مؤسسًا للمدرسة الحديثة للإنشاد الديني وألمع نماذج الإنشاد في مصر والوطن العربي، بل ذاع صيته حتى وصل للعالمية؛ إنه الشيخ الشاب محمود ياسين التهامي، والذي كان لنا معه في (اتحاد العالم الإسلامي) هذا الحوار باعتباره أحد الشخصيات الإسلامية المؤثرة عالميًا بفن الإنشاد الديني والابتهال.
بداية.. جميع النُقّاد يتفقون على موهبتك في الإنشاد؛ فهل دعمتها بالدراسة، أم اكتفيت بالموهبة الفطرية؟
بالطبع الدراسة كان لها دور كبير في اكتشاف الموهبة، والتي تكون بذكاء التنقل وتناول القيصدة والتعامل معها والموهبة بها أمور فرعية من خلال الدراسة تعرفت أكثر على مواهبي في صوتي ودرجات القرار والجواب وتطويرها والدراسة لها دور كبير ولا زلت أتعلم حتى الآن.
فكيف تستقبل المقارنة الدائمة بينك وبين والدك الشيخ التهامي؟
طوال عمري لم أضع نفسي في مقارنة مع والدي ودائمًا يغلب عليَّ التعامل من ناحية الأبوة والبنوة، ولم أتعامل مع والدي مهنيًا، وأنا أعتبر نفسي مكمل لطريق وتراث، والدي بل مكملًا لكل من سبقونا من أعمامنا ومشايخ الموسيقيين مثل عمنا سيد مكاوي، والمشكلة لدي في جمهور والدي الذي يضعني في مقارنة معه، وأنا أرى هذا ظلمًا لوالدي أن يوضع في مقارنة مع ابنه، وهو شرف كبير لي أن أقارن بهذا العملاق الكبير، لا توجد مقارنة بالأساس الشيخ ياسين حالة فريدة ونابغة وظاهرة، وأنا أسير بفضل التراب الذي يسير عليه والدي.
حدثنا عن الصفات المشتركة بينك وبين الشيخ ياسين؟
أبرز صفة مشتركة بيننا هي غيرتنا على الإنشاد الديني، كما أننا أسسنا مدرسة الارتجال وطورنا هذه المدرسة وحافظنا عليها، ولم يستطع أحد أن يصل إلى العمق في المعنى الذي وصلنا له نحن من الانسلاخ التام من المادة وكل ما هو متغير إلى العالم الروحي الخالص، وهي حالة الوصول لها صعب جدًا، ونحن بفضل الله ومدده وبفضل مدح سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم استطعنا ونعرف الوصول إليها في حفلاتنا وليالينا.
أيضًا وأنا أُنشد أعيش بروحي مع الكلمات والأبيات الشعرية، وأشعر بحالة وجدانية مختلفة وكأنه عالم حقيقي عند الإنشاد، وبعد الانتهاء أعود إلى العالم الافتراضي المادي الذي نعيشه نحن البشر.
هل تعتبر مكملًا لمسيرة والدك؟
لست مكملًا لمسيرة والدي فقط، بل لمدرسة الإنشاد الديني ككل، فأنا أخذت من والدي مدرسة الإنشاد وأكملت فيها وطورتها، وأخذت من الشيخ علي محمود وهو أكثر مؤثر فيَّ، وهو رائد نقل الإنشاد من الأمور الدينية، إلى الدنيوية، وأعتبر نفسي مكملًا ومطورًا لمدرسة الإنشاد، والسابقين، وأدخلت قواعد وأسس جديدة للأجيال القادمة في الإنشاد.
النصيحة التي وجهها لك والدك؟
نصيحة والدي لي كانت بقوله: "أريدك أن تُقَّلد ولا تُقلِّد أحدًا حتى أنا"، فكُنتُ مدرسة جديدة وهو ما وفقني الله فيه؛ وفوجئت بهجوم الجمهور لماذا لا تُقلِّد والدك مثل الآخرين، وهو ما كان طلبه، وبعد ذلك أحسست أنه يرغب في أن أقلده، لأنه أصابه الذهول مما أنتجته من سيمفونيات عالمية، وموسيقى إلكترونية، وأدخلت آلات كان عليها تحفظ في دخول الموسيقى العربية في العموم أدخلتها انا في الإنشاد وهو أكثر تحفظًا في استخدام الموسيقى، مثل الراب، والتراب، واستقبل الناس كسري لتلك الحواجز من المنشدين لكوني نقيب المنشدين، ووفقنا الله تعالى في هذا الأمر.
ما هي الطقوس التي تعتمدها قبل إحياء ليالي الإنشاد؟
لدي حياة معتادة ولي تدريبات صوتية، وبدنية، وسباحة وغطس بأعماق معينة لأتحمل صوت السماعات، وتدريبات صفاء ذهني، إلى جانب تدريبات روحية، ورد من القرآن الكريم، والحفاظ على صلاتي ووضوئي.
ليالي رمضان من المبتهل الذي تفضله؟
جميعهم أفاضل والمدرسة القديمة هي الأقرب إلى قلبي والشباب خلال الفترة الأخيرة، ومصر ولاّدة، مثل عمنا عبد الرحيم دويدار، والشيخ الرفيق النكلاوي، والإذاعة المصرية عالمية.
رمضان في طفولتك وحاليًا؟
في طفولتي كان فيه بركة والآن أصبح رمضان بسبب كونه موسم أكثر من باقي أشهر السنة، وطغى الشق المهني على التعبدي، وهو أمر يصيبني بالضيق، وكنت أراجع القرآن خلال الشهر الفضيل نحو 10 مرات، والآن إن أنهيت قراءة القرآن على مدار الشهر أكون راضيًا جدًا، بسبب ضغوط العمل، وأعتبر صلاتي على النبي وإحيائي التراث والإنشاد جانبًا من العبادة وأسال الله أن يجله في ميزان حسناتي خلال الشهر الفضيل. وحجوزات الليالي الرمضانية تكون قبل نحو عام.
ما هي أكثر دولة كانت متفاعلة معك خلال الإنشاد؟
جميع الدول تتفاعل؛ ولكن بشكل خاص المغرب وتونس والجزائر، والخليج بدأ في الاهتمام بالإنشاد مؤخرًا، وخاصة دولة الإمارات التي أعتبرها بلدي الثاني، والحفل في الإمارات يكون حفلًا عالميًا يحضره جميع الجنسيات، وكنا جامعة نيويورك أبو ظبي، حضرها جمهور من 30 دولة.
وهذا العام سأقوم بإحياء حفلًا مهمًا في مهرجان أبو ظبي العالمي خلال شهر رمضان، ويحضره جمهور كبير، ومجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون لها مل كبير معي وسعيد أن شاركت معها في السيمفونية الثلاثة العالمية، والإمارات لها دور كبير في إحياء الإنشاد الديني.
روادك والمحبين والمستمعين يلحظون اندماجك في الليالي والموالد أكثر من الحفلات على المسارح الكبيرة؟
الاختلاف أنني في الحفلات العادية أحصل على راتب نظير الإنشاد، أما في الموالد فأنا أذهب وأدفع أموال لأنال بركة الإنشاد في رحاب آل البيت، وبركة الكلمة والمعنى والمدح ومن أمدح، ولكل الأسر التي لا تستطيع أن تصل لحفلات الأوبرا، وساقية الصاوي، وغيرها من المسارح، ويصل عدد الجمهور نحو 50 ألفًا في المولد فأكون سعيدًا جدًا أنني أسعدت هؤلاء.
تردد أن لديك مدرسة لتعليم الإنشاد الديني؟
نعم لدي مدرسة تقدم الإنشاد الديني في شكل أكاديمي، ومناهج وبدعم مؤسسات الدولة مثل صندوق التنمية الثقافية في قصر الملك طاز، ووزارة الشباب والرياضة، من مسابقة إبداع، ونسهم في بناء أجيال جديدة من المنشدين، وقمنا بتخريج نحو 5000 منشد، ولم نصل بعد لتخريج محترفين في الإنشاد.
بصفتك نقيب المنشدين كيف ترى مستقبل الإنشاد الديني؟
أحب صفة خادم الإنشاد والمنشدين، ولا أحب صفة النقيب، والأمور الإدارية تسببت في تعطلي بشكل كبير جدًا، وأرى مستقبل الإنشاد في تقدم كبير مؤخرًا، والأمور الفنية والإبداع حققت فيها طفرة كبيرة بدمج مختلف الثقافات للاستماع للإنشاد الديني.
وقمت بإحياء حفل في ضخم في مولد سيدي (جلال الدين السيوطي) بمحافظة أسيوط وجميع النقاد أجمعوا أنها الأضخم في عام 2023 بعدد حضور أكثر من 70 ألفًا، رغم أن الحفل كان في الصعيد فقط. وهناك قنوات للمنشدين على مواقع التواصل وينقصنا الأمور الثقافية، للتطوير والحداثة والتكنولوجيا الموسيقية، .
تستمع الموسيقى والغناء بشكل عام وليس الإنشاد الديني فقط، فما هي أكثر الأغاني التي تتابعها؟
أتابع جميع أنواع الأغاني والموسيقى، ولكن أحب أكثر الموسيقى القديمة والتلحين الفنان محمد فوزي وكان سابقًا لجيله، وقدم السهل الممتنع، وفرق البيتلز، وفرانك سناترا، وفي طريقة إدارة التطور الموسيقي والفكري، مايكل جاكسون.
في ظل أغاني المهرجانات وموسيقى الراب هل يواجه الإنشاد الديني أزمة كبيرة؟
لدينا مشكلة كبيرة في الدعاية والتسويق، وللأسف الدعاية ليست على مستوى عالٍ من الفنون المختلفة، وأنا لدي تسويق شخصي رغم أنني مدعوم من مؤسسات، ولدي شركة إنتاج، والفترة الأخيرة هناك تعاون مع روتانا، وهناك جهد كبير لمؤسسة أبو ظبي للثقافة والفنون للدمج مع الثقافات الأخرى والتسويق العالمي، وعلى مستوى أوروبا، وكل هذه أمور فردية للأسف أتمنى أن تعمم.
غزة والأحداث الجارية الآن هناك؟ وبصفقتك نقيب المنشدين ما هو الدعم المقدم لغزة؟
شاركت في أكثر من حفل على رأس تلك الحفلات (من أجل غزة)، والذي نظمه المهندس محمد الصاوي وزير الثقافة الأسبق، رفقة الشاعر الكبير هشام الجخ، والموسيقار هاني شنودة، والغالي على قلبي الشاعر الكبير عمرو حسن، وكوروال هارموني بالعربي الفنان محمود وحيد، وكانت حالة جيدة لجمع تبرعات لغزة، وجزء من حفلاتنا خصصناها لدعم أحبابنا في غزة، ونحن في اختبار أكبر منهم، ونسأل الله لهم النصر والأمن والأمان.