إمبراطور الإنشاد الديني.. كيف انتقل «ياسين التهامي» بفنه من موالد الدراويش إلى سماء العالمية؟
ألقاب شيخ المنشدين وكروان الصعيد وبلبل الصعيد كانت جزءاً لا يتجزأ من مسيرة المنشد ياسين التهامي، الذي يُعتبر أحد أبرز المنشدين في مصر على مر السنين.
وقد تميّز ياسين التهامي بقدرته على تجديد فن الإنشاد الديني بشكل ملحوظ، حيث نجح في نقله من ساحات الصوفية وموالد الأنبياء إلى مسارح الأوبرا والمسارح الكبرى في أوروبا.
بفضل عمق الكلمات التي يختارها وقوة الأداء التي يتمتع بها، استطاع ياسين التهامي أن يلامس قلوب الجماهير بموسيقاه الصوفية المؤثرة، حيث انتقل جمهوره من الطبقات الأدنى إلى الطبقات المثقفة، مما جعله يحظى بتقدير واسع النطاق واحترام كبير في عالم الفن والموسيقى.
مولد الشيخ ياسين التهامي
شيخ المنشدين ياسين التهامي وُلد في قرية الحواتكة بمركز منفلوط بمحافظة أسيوط في 6 ديسمبر 1949، ونشأ في أسرة متدينة تتميز بحبها للتصوف. والده كان من الزهاد والعابدين، وكان معروفاً بتقواه وتدينه، حيث كان شهادتهم عنه تؤكد ذلك.
ياسين التهامي بدأ مسيرته كمنشد هاوٍ في الموالد والأفراح، وكان يقلد معلمه شيخ المداحين الشيخ أحمد التوني. لكن سرعان ما استقل بأسلوبه الخاص وبدأ في تأسيس مدرسة خاصة في الإنشاد، تمشياً على نهجه المميز، وأثرى بمئات المنشدين الذين تلقوا تأثيراً كبيراً من تقنياته وأساليبه.
الشيخ ياسين التهامي كان وما زال يُعتبر أحد رواد إنشاد الشعر الصوفي بأسلوبٍ صحيح، حيث كانت مساهمته البارزة في تطوير هتجلى في استخدامه اللغة الفصحى بدلاً من اللهجة العامية التي كانت معتادة في الإنشاد السابق.
واستمد ياسين التهامي إلهامه وتأثيره من قصائد الصوفية الكبار مثل عمر بن الفارض، والحلاج، والسهروردي، ومحيي الدين بن عربي، إذ جسد في إنشاده قيم وأفكار هؤلاء الأقطاب الكبار، مما منح أداءه عمقاً وروحانية تجعله يلامس قلوب السامعين ويحملهم في رحلة داخلية مع الروحانيات الصوفية.
مسية ياسين التهامي الأوروبية
بعد أن أصبحت مسيرة الشيخ ياسين التهامي معروفة في جميع أنحاء مصر، تجاوز صيته الحدود الوطنية ليبلغ قمة الشهرة في أوروبا، حيث شارك في العديد من الحفلات والأداءات الغنائية في أبرز مسارح القارة الأوروبية مثل لندن وباريس وبرلين ومدريد.
ياسين العظيم.. ظاهرة الشرق
في التسعينيات، بدأت الصحافة الإسبانية تُطلق عليه لقب "ياسين العظيم، ظاهرة الشرق"، مما يعكس مدى تأثيره الكبير وشهرته الواسعة في العالم الغربي. وقد تركت أداءاته الرائعة والمؤثرة انطباعًا قويًا على الجمهور الأوروبي، مما جعله يحظى بمكانة مرموقة كأحد أبرز المنشدين العرب في العالم.
شهرة الشيخ ياسين التهامي لم تقتصر فقط على مصر، بل امتدت إلى أفق أوسع حيث سافر صوته وآداؤه ليحيي الليالي الفنية في العديد من الدول العربية والأوروبية. شهدت مئات الحفلات التي نظمها محبوه في هذه البلدان، ومن بينها بريطانيا وباريس وألمانيا وهولندا وإسبانيا وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب العديد من مدن وعواصم دول العالم الأخرى.
وكانت مشاركته البارزة في مهرجانات الموسيقى الروحية تجعله يحظى بانتباه كبير وتقدير عالمي، حيث كان يقدم أداءً استثنائيًا يعبر عن عمق الروحانية والفن في تلك الأماكن. بفضل هذه الرحلات الفنية، أصبح ياسين التهامي رمزًا للإنشاد الديني والموسيقى الروحية في العالم، وترك بصمة لا تنسى في قلوب الجماهير العالمية.
ياسين التهامي.. صوت إنساني فضفاض
تلقى الشيخ ياسين التهامي تغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام العالمية، ومن بينها هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي وصفته بأنه "صاحب صوت إنساني فضفاض يستوعب أي إنسان على اختلاف لغته وموسيقاه أكبر من الشعر". هذا التقدير يبرز القوة والعمق الذي يتمتع به صوته، الذي يتسم بالروحانية والتأثير.
وعند زيارته لإسبانيا، قام ياسين التهامي بإحياء عدة حفلات هناك، ومن بينها كانت حفلة بارزة أُقيمت في إحدى كبرى الكنائس في مدريد. هذه الحفلات لم تقدم فقط فرصة للجمهور الإسباني للاستمتاع بأداءه الفني الرائع، بل أيضًا لزيادة الوعي بثقافة الإنشاد الديني والموسيقى الروحية في العالم.
ياسين التهامي شيء مختلف
في لندن، حيث يُقام مهرجان الموسيقى الروحية السنوي، كان لشيخ ياسين التهامي دور بارز في هذا الحدث المميز. وقد قدم مقدم الحفل ليلتها كلمات تقديرية تعكس إعجابه بأداء ياسين، حيث قال: "ياسين شيء مختلف لا نستطيع تقديمه؛ لذا فمن الأفضل أن نتركه يقدم نفسه من خلال غنائه وموسيقاه وشكل أدائه الذي يشبه البوح".
إن ما يتمتع به الشيخ ياسين التهامي من موهبة استثنائية ومساحة صوتية مدهشة لفت انتباه الباحثين والمهتمين بعلم الصوتيات والموسيقى. فقد قام الباحث الأمريكي "مايكل فروشكوف" بتخصيص دراسة كاملة حول أداء ياسين التهامي الصوتي، بينما قام المستشرق الألماني "كولن" بإيلاء اهتماماً خاصاً له في كتابه حول الموسيقى الشرقية، حيث أخصص له فصلاً مستقلاً.
وتأتي هذه الدراسات كإشارة إلى أهمية أداء ياسين التهامي وتأثيره الفني والصوتي، حيث يُعتبر مرتجلاً لنغم صوفي جديد دون الحاجة لتعليم أكاديمي أو دراسة رسمية. فهو يتمتع بقدرة فائقة على التعبير عن الروحانية والعمق من خلال صوته وأدائه المميز، مما جعله محط اهتمام الباحثين والمستشرقين كشاهد مهم على تطور وتأثير الموسيقى الشرقية والصوفية في العالم.