الذئاب المنفردة.. تطور الإرهاب في أوروبا بين الشبكات الرقمية والاستراتيجيات المحلية
تواجه أوروبا شكلًا متجددًا من التطرف والإرهاب الداخلي يتماشى مع تكتيكات الجماعات المتطرفة التي تركز على استقطاب الشباب عبر الإنترنت أكثر من الاعتماد على المنابر التقليدية. تسعى هذه الجماعات لتحقيق أهداف سياسية وإيديولوجية متنوعة من خلال استراتيجيات عنيفة تعتمد على نشر الخوف والرعب، كما كشف الباحث جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، في دراسة حديثة بعنوان "مكافحة الإرهاب ـ نشاط داعش في أوروبا: طبيعته والمعالجات".
تستغل الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل منظم لنشر أفكارها، مما يشكل تحديًا كبيرًا للحكومات وأجهزة الاستخبارات، كما تشير الدراسة. يعمل الاتحاد الأوروبي على الكشف عن مسارات الإرهاب، وقد أثرت الهجمات الإرهابية بشكل ملحوظ على الدول الأعضاء، خاصة في غرب أوروبا. نجحت بعض الدول، مثل ألمانيا، في تنفيذ عمليات استباقية ووقائية للحد من العمليات الإرهابية. رغم ذلك، يبقى الإرهاب الإسلاموي "الجهادي" التهديد الأكثر بروزًا للاتحاد الأوروبي.
تغيرت أساليب الجماعات المتطرفة من كونها مركزية إلى غير مركزية، حيث تقوم التنظيمات المناطقية بتحديد الأهداف وتنفيذ العمليات بتمويل مستقل من مصادر متعددة مثل "الجزية والإتاوات" وتهريب البشر وسوق السلاح السوداء والعملات المشفرة. ويُلاحظ في المشهد الأوروبي تنفيذ عمليات "الذئاب المنفردة" نتيجة الجهود المكثفة لاستخبارات مكافحة الإرهاب.
شهدت أوروبا في عام 2015 موجة إرهاب عابر للحدود أثرت على الأمن والاستقرار، لكن اليوم تغير نمط الإرهاب ليصبح محليًا وعبر "ذئاب منفردة"، مع استهداف تنظيم داعش لجيل جديد من الشباب في أوروبا، غالبًا من المراهقين أو الأصول المهاجرة من جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط.
تشير الدراسة إلى أن عملية التطرف تبدأ على منصات الإنترنت التي تجذب الشباب عبر خوارزميات محددة، مما يسهم في نشر الدعاية "الجهادية" والتأثير على المتعاطفين. يتبادل هؤلاء المتطرفون المعلومات المشفرة ويتحمسون للعنف المصور، حيث يكون التركيز على التخيلات العنيفة والإيديولوجيا تلعب دورًا ثانويًا.
وفقًا للدراسة، كان هناك حوالي 5500 مقاتل أوروبي في سوريا والعراق، ووفقا للباحثين توما رينار وريك كولسايت من معهد إيغمونت في بروكسل، فإن فرنسا تأتي في مقدمة الدول التي اعتقل فيها أكبر عدد من هؤلاء المقاتلين، تليها ألمانيا وهولندا والسويد وبلجيكا. ملف المقاتلين الأجانب في سوريا لا يزال موضوع نقاش وجدل بدون حلول جذرية، مما قد يؤدي إلى ظهور جيل جديد من التطرف العنيف.
في الوقت الحالي، لا يحتاج تنظيم داعش لإرسال مقاتلين جدد إلى أوروبا بل يركز على استثمار المتعاطفين، حيث يدعو التنظيم عبر الإنترنت الشباب لتسجيل مقاطع فيديو والاعتراف بالتنظيم كشرط للانضمام والتأثير. يستخدم التنظيم الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لتوجيه المجندين المحتملين.
تخلص الدراسة إلى أن أوروبا تبقى عرضة للتهديدات الإرهابية ونشر الدعاية "الجهادية"، مما يعني أن التطرف والإرهاب في أوروبا هو نتيجة لسياسات أوروبية متراخية سابقة وربما مقصودة. مع ذلك، يتوقع أن يكون مشهد الإرهاب مستقبلاً محصورًا في عمليات "الذئاب المنفردة" المحدودة، ويعزى ذلك إلى جهود الحكومات والاستخبارات لمكافحة الإرهاب بعد موجة 2015.
توصي الدراسة بضرورة تحسين استجابة الجهات الأمنية من خلال استحداث آليات فعالة لتحييد المهاجمين، وتكثيف الإجراءات الوقائية في التجمعات العامة، وتعزيز ميزانية أجهزة الأمن ومواردها البشرية. كما تدعو إلى تطوير ودعم وكالات الاستخبارات لضمان الوقاية والملاحقة القضائية الفعالة، مستفيدة من المعلومات والتحذيرات الواردة من الخارج، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية.