اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

البنتاجون يعيد رسم استراتيجيته.. استعداد لمواجهة الصين ودور متزايد للناتو ضد روسيا

البنتاجون
البنتاجون

تشهد الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية تحولات جوهرية في عهد الرئيس دونالد ترامب، حيث أعاد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، توجيه أولويات الجيش الأمريكي نحو مواجهة التهديدات الصينية، مع التركيز بشكل خاص على ردع بكين ومنعها من الاستيلاء على تايوان. جاء هذا التغيير على حساب تقليص التزامات واشنطن العسكرية في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، في خطوة تعكس رؤية إدارة ترامب المستوحاة من سياسات مؤسسة "هيريتج" المحافظة، والتي تقف خلف "مشروع 2025" الهادف إلى إعادة هيكلة السياسات الأمريكية.
إعادة رسم الاستراتيجية الدفاعية
كشفت مذكرة توجيهية سرية، وُزعت منتصف مارس تحت تصنيف "سري/غير مخصص للأجانب"، عن تفاصيل الرؤية الجديدة لوزارة الدفاع، حيث تم تصنيف الصين باعتبارها التهديد الأكبر والأكثر إلحاحًا. وعلى عكس استراتيجيات الإدارات السابقة التي تعاملت مع عدة تهديدات متوازنة، تصف الوثيقة احتمال غزو الصين لتايوان بأنه "السيناريو الوحيد" الذي يجب الاستعداد له. بناءً على ذلك، ستعيد الولايات المتحدة توزيع مواردها العسكرية، مركزة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع تقليل التزاماتها الدفاعية في أوروبا والشرق الأوسط، وهو ما قد يعيد تشكيل التوازنات الجيوسياسية.
تقاسم الأعباء الدفاعية مع الحلفاء
ضمن التوجه الجديد، تسعى إدارة ترامب إلى تحميل حلفاء واشنطن مسؤولية أكبر عن أمنهم الإقليمي، حيث يُطلب من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة روسيا دون الاعتماد على الدعم الأمريكي المكثف. كذلك، يُتوقع من دول الشرق الأوسط وشرق آسيا زيادة استثماراتها الدفاعية للتصدي للتهديدات الإقليمية، مثل إيران وكوريا الشمالية. هذا النهج يتماشى مع انتقادات ترامب المتكررة لحلفائه الأوروبيين، الذين اتهمهم بالتقاعس عن تمويل دفاعهم والاعتماد الزائد على الحماية الأمريكية.
أولويات جديدة: مكافحة الهجرة وتأمين الحدود
إلى جانب التركيز على الصين، تعيد الاستراتيجية الجديدة تحديد أولويات العمليات العسكرية الأمريكية، حيث سيتم تقليص الانخراط في محاربة الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط وإفريقيا، ما لم تكن هذه الجماعات تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي. وبدلاً من ذلك، تُولي المذكرة اهتمامًا أكبر لقضايا داخلية، مثل مكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، حيث يُطلب من الجيش الأمريكي لعب دور أكثر نشاطًا في تأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وهي مهمة كانت تقليديًا ضمن اختصاص وزارة الأمن الداخلي.
تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة الصين
تنص المذكرة على أن بناء القوات العسكرية الأمريكية يجب أن يأخذ في الاعتبار احتمال نشوب صراع مع الصين، مع تقليل التركيز على روسيا أو أي تهديدات أخرى. وتشمل هذه الاستراتيجية تعزيز الوجود العسكري في المحيط الهادئ عبر نشر غواصات وقاذفات وسفن غير مأهولة، إلى جانب تطوير ذخائر قادرة على اختراق التحصينات الصينية. كما تؤكد الوثيقة على تحسين الدفاعات الأمريكية في المنطقة، وتعزيز اللوجستيات لضمان قدرة الجيش الأمريكي على تنفيذ عمليات عسكرية طويلة الأمد ضد الصين، في حال اندلاع مواجهة.
ضغوط على تايوان وقلق متزايد في تايبيه
رغم أن الاستراتيجية الجديدة تركز على ردع الصين ومنعها من السيطرة على تايوان، فإنها لا تعفي الجزيرة من تحمل مسؤولية دفاعها عن نفسها. حيث تضغط إدارة ترامب على تايبيه لزيادة إنفاقها الدفاعي إلى ما يصل إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو مستوى يفوق حتى ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع. غير أن هذه السياسة تثير قلق الحكومة التايوانية، خاصة في ظل الغموض بشأن مدى التزام واشنطن بالتدخل العسكري لحمايتها، لا سيما بعد لقاء غير موفق بين ترامب ونائبه جي دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي زاد من الشكوك حول استعداد الولايات المتحدة لخوض مواجهة مباشرة مع الصين.
إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية
إلى جانب التركيز على منطقة المحيط الهادئ، تسلط الوثيقة الضوء على ضرورة تعزيز السيطرة الأمريكية على "الجوار القريب"، بما في ذلك جرينلاند وقناة بنما، حيث تسعى واشنطن إلى تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية لمواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد. كما تؤكد المذكرة على تطوير القدرات النووية الأمريكية وتعزيز الدفاع الصاروخي عبر مشروع "القبة الذهبية"، وهو نظام لا يزال قيد التطوير ويهدف إلى تحصين الولايات المتحدة ضد التهديدات الصاروخية المحتملة.
مخاوف وانتقادات داخل الكونجرس
أثارت المذكرة جدلًا داخل الكونجرس، حيث اعتبر بعض المشرعين أنها "منحازة" وتفتقر إلى التوازن الاستراتيجي. وبينما تعكس التوجهات الجديدة رؤية ترامب في التركيز على مواجهة الصين، فإنها تقلل من أهمية التهديدات الأخرى، مثل التوسع الروسي في أوروبا أو الأنشطة الإيرانية في الشرق الأوسط. كما أن تقليص الدور الأمريكي في بعض المسارح التقليدية قد يمنح خصوم واشنطن فرصة لملء الفراغ، مما قد يؤدي إلى تعقيدات جديدة في الأمن العالمي بدلًا من تحقيق الاستقرار.
مرحلة جديدة في السياسة الدفاعية الأمريكية
تعكس هذه التحولات في الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية رؤية إدارة ترامب القائمة على تقليص التدخلات الخارجية وإعادة توجيه الموارد لمواجهة الصين باعتبارها التهديد الأول. وبينما يمكن أن يسهم هذا النهج في ترشيد الإنفاق العسكري وتعزيز الاستعداد لمواجهة محددة، إلا أنه يطرح تساؤلات حول تداعياته على التوازنات الجيوسياسية، وقدرة الولايات المتحدة على إدارة الأزمات في مناطق أخرى من العالم.

موضوعات متعلقة