قباء.. أول مسجد أسس على التقوى ومهد الحضارة الإسلامية
تحتضن المدينة المنورة، معلمًا دينيًا تاريخيًا يعبر عن التضحية والإيمان الصادق لأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مسجد قباء، الذي يحمل في طياته قصة بناء مليئة بالتاريخ والدروس العظيمة، وعُدَّ مهد الحضارة الإسلامية.
في العام 622 ميلاديًا، وبعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، بدأت الأوضاع الدينية والاجتماعية تتغير في المدينة، حيث بدأ النبي في تعزيز الروح الإسلامية بين المسلمين ببناء أول مسجد في الإسلام.
وكانت أولى الخطوات نحو تعزيز هذه الروح الدينية بناء المسجد، ليكون مركزًا للصلاة والتعليم والاجتماع للمسلمين. ومن هنا جاءت فكرة بناء مسجد قباء، الذي يعتبر أول مسجد في تاريخ الإسلام.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالُ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)؛ وتشهد هذه الآيات لهذا المسجد بالعظمة، والخير والبركات، والتفوق على غيره من المساجد.
وورد في الحديث النبوي: «من تطهر في بيته وأتى مسجد قباء فصلّى فيه صلاة فله أجر عمرة»، وفي حديث آخر: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد -يعني مسجد قباء- فصلّى فيه كان كعدل عمرة». وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء يوم السبت راكبًا وماشيًا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع حجرًا في قبلته؛ فكان يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه فيأتي الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر.
وبدأ الصحابة المسلمون بجمع الحجارة والطين والخشب، وباشروا العمل على بناء المسجد بأنفسهم، بمشاركة الرجال والنساء والأطفال. وكانت هذه التضحيات تعبر عن الإيمان الصادق والتمسك بالدين الإسلامي، حيث أنهم لم يتوانوا عن تقديم كل ما يستطيعونه لبناء هذا المكان المقدس.
وفي وقت قصير، تم الانتهاء من بناء مسجد قباء، الذي أصبح مركزًا مهمًا للعبادة والتعليم وإدارة شؤون لبنة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة. ومنذ ذلك الحين، استمر هذا المسجد في خدمة المسلمين، حيث يستقبل آلاف الزوار والمصلين يوميًا من مختلف أنحاء العالم لأداء الصلوات والتأمل، والتعلم الفقهي والشرعي.
وتظل قصة بناء مسجد قباء، شاهدة على الإيمان الصادق والتضحية التي بذلها أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتعكس روح التعاون والوحدة التي كانت تميز المسلمين في تلك الفترة الأولى من تاريخ الإسلام.