اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون مدير التحرير التنفيذي محمد سلامة
مرصد الأزهر يكشف ما يعول عليه تنظيم د.ا.عش مستقبلا «الأوقاف المصرية» تضع خطة شاملة لتطوير الدعوة ومواجهة التطرف في شمال سيناء كيف نميز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟.. الدكتور علي جمعة يوضح مفتي الديار المصرية: تجديد الخطاب الديني هدفه استيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة مدير الجامع الأزهر: الإسلام يدعو إلى الأمن والأمان والتمسك بالأحكام لتحقيق سعادة البشرية مفتي الديار المصرية لوفد برنامج الأغذية العالمي: مستعدون للتعاون في كل ما ينفع البشرية أمين ”البحوث الإسلامية”: الشريعة حرصت على البناء المثالي للأسرة بأسس اجتماعية سليمة بالقرآن والسنة.. الدكتور علي جمعة يكشف حكم زواج المسلمة من غير المسلم أمين مساعد البحوث الإسلامية: التدين ليس عبادة بالمساجد بل إصلاح وعمارة الكون الأوقاف المصرية: إيفاد سبعة أئمة إلى “تنزانيا والسنغال والبرازيل” «الإسلام وعصمة الدماء».. الجامع الأزهر يحذر من استباحة دماء المسلمين الأوقاف المصرية تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. ”أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ”

الأول من مارس: ذكرى مذبحة القلعة التي دبرها محمد علي باشا 1811 م

يوافق اليوم، الأول من مارس ذكرى مذبحة القلعة، أو مذبحة المماليك، وهي حادثة تاريخيَّة وقعت في مصر، دبرها محمد علي باشا للتخلص من أعدائه المماليك يوم الجمعة 5 صفر سنة 1226 هـ الموافق 1 مارس لعام 1811م، وذلك خوفا من نفوذهم ومطامعهم في الحكم.

فكرة ماكرة ومطمئنة لاستدراج المماليك الى القلعة:
وقد اهتدى محمد علي إلى فكرة لا يشوبها الشك لدى المماليك لإحضارهم إلى القلعة لتنفيذ المذبحة، حيث جهز حفلًا ضخمًا بمناسبة تولي ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش الخارج إلى الحجاز للقضاء على حركة محمد بن عبد الوهاب في نجد، ودعا رجال الدولة وأعيانها وكبار الموظفين العسكريين والمدنيين وزعماء المماليك لحضور هذا الحفل.
وقد لبَّى 470 مملوكًا الدعوة، وحضروا إلى القلعة في أزهى الملابس والزينة. وعند تقليد الأمير طوسون خلعة القيادة، سار الجميع خلف الموكب للاحتفال، واستُدرِجَ المماليك إلى باب العزب، وفتح الجنود عليهم وابل الرصاص، وساد الهرج والمرج، وحاول المماليك الفرار، لكن قُتِل أغلبهم بالرصاص، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ومن نجا منهم من الرصاص، ذُبِحَ على أيدي الجنود.

470 مملوكا قتلوا في ساعات قليلة:
راح ضحية تلك المذبحة المعروفة بمذبحة القلعة كل من حضر من المماليك، وعددهم 470 مملوكًا حسب أغلب المصادر، كما استمر قتل المماليك بعدها بثلاثة أيام خارج القلعة في أنحاء مختلفة من القاهرة، وقدَّر البعض أن عدد القتلى يصل إلى 1000 مملوك، في حين يقول عبد الرحمن الرافعي أن عدد الضحايا وصل إلى 1200 قتيل. وعُلِقَت رؤوس كبار المماليك على باب مسجد الحسنين بالقاهرة.
أمين بك.. الناجي الوحيد:
ولم ينج من مذبحة القلعة سوى مملوك واحد يدعى «أمين بك»، الذي كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز من فوق سور القلعة، ثم هرب إلى الشام. وقد ذكر جورجي زيدان في روايته «المملوك الشارد» أن أمين بك عندما سمع أصوات الرصاص، هرع إلى سور القلعة، ولكز جواده بضربة عنيفة، فهوى به من ذلك الارتفاع، وقبل أن يصل الحصان إلى الأرض قفز من فوق ظهر الحصان فنجا من الموت.
فر أمين بك بعد ذلك، واستجار بالأمير بشير الشهابي في جبل لبنان. وفي رواية أخرى أن هذا المملوك كان اسمه «مراد بك». وقيل في رواية ثانية أنه جاء إلى الحفل متأخرًا، فوجد أبواب القلعة قد أُغلقت، فشعر بالمكيدة وهرب إلى بلاد الشام.
كما كان زعيم المماليك وشيخ البلد إبراهيم بك في طرة، ولم يحضر الحفل في القلعة، فنجا من المذبحة وعندما سمع بما حدث، وفر مع أتباعه إلى دنقلا حيث بقي حتى مات سنة 1817م، وبعد وفاته نقلت زوجته رفاته إلى القاهرة وذكر الجبرتي أنه كان قد أرسل إلى محمد علي قبيل وفاته طالبا السماح له بالعودة إلى القاهرة ليموت فيها ولكن يبدو أن محمد علي لم يسمح له أو أن الموت كان أسبق. كما نجا أمير مملوكي آخر يُدعى «أحمد بك» حيث تخلف عن الحفل بسبب انشغاله ببعض الأعمال في أحد القرى.


وبعدما ذاع الخبر؛ انتشرت الفوضى في البلاد لمدة ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف السلب والنهب إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط.
وقد انقسمت الآراء حول مذبحة القلعة، فمن المؤرخين من رأى أنها حادثة غدر أساءت لسمعة محمد علي، ووصمة عار في تاريخ مصر، ومنهم من وصفها بحادثة أدخلت الرعب في قلوب المصريين لعقود، ومنهم من رأى أنها كانت خيرًا لمصر، وخلّصت مصر من شر المماليك، ومنهم من رأى أن محمد علي كان مضطرًا لذلك للدفاع عن نفسه وحكمه ضد المماليك الذين كانوا لا يزالون يسعون إلى السلطة.

الأحداث المُمهِّدة للمذبحة:
حملة فريزر سنة 1807.

بعد أن أصبح محمد علي باشا واليًا على مصر في 9 يوليو 1805م، علم أن هناك اتصالات سرية بين بعض أمراء المماليك وخورشيد باشا ( الوالي السابق على مصر) ضده، فجهز حملة في 18 يوليو 1805م من ثلاثة آلاف جندي لمنازلة علي باشا قائد قوة المماليك التي تؤيد خورشيد باشا. ولم يلبث محمد علي حتى خرج ألف من المماليك لمدينة القاهرة في محاولة للاستيلاء على الحكم، بزعامة محمد بك الألفي الذي بدا أنه كان مدعومًا من الإنجليز منذ أن ساندهم عندما أخرجوا الفرنسيين من مصر، ولكن كان محمد علي على علم بتحركاتهم، فنصب لهم فخًا، وأوقع بهم خسائر فادحة، مما اضطرهم للانسحاب. واستغل محمد علي الفرصة، وطاردهم حتى أجلاهم عن الجيزة، فتقهقروا إلى الصعيد الذي كان ما زال في أيديهم. كما استطاع الألفي السيطرة على أجزاء من الوجه البحري، وعرض الألفي على محمد علي الصلح على أن يحكم البحيرة والشرقية، ولما رفض محمد علي انطلق الألفي إلى دمنهور فحاصرها، وبدأ في إطلاق المدفعية على حاميتها، ولكن خسر الألفي في هذه المعركة، وتدهور حال المماليك، وفي 28 يناير 1807م توفي محمد بك الألفي.
وفي 17 مارس سنة 1807، حاولت حملة إنجليزية بقيادة الفريق أول فريزر دخول مصر عن طريق الإسكندرية، ولكنهم هُزِمُوا في رشيد، وفي 14 سبتمبر سنة 1807، وعُقِدَ صلح بعد مفاوضات بين الإنجليز ومحمد علي، نص على وقف القتال في غضون 10 أيام، وإطلاق الأسرى الإنجليز، ويرى بعض المؤرخين أن محمد علي قد استغل هذا الصلح مع الإنجليز ليضمن أنهم لن يدعموا المماليك مرة أخرى، وبعد وفاة الألفي وعقد الصلح مع الإنجليز حان الوقت لمحمد علي أن يقضي على المماليك تمامًا.
وفي أغسطس 1810م زحف محمد علي بجيشه إلى الصعيد الذي كان بقبضة المماليك، فانتصر عليهم، واستولى على الفيوم، وانسحب إبراهيم بك وعثمان حسن وسليم بك وزعماء المماليك الآخرين إلى أسوان، بينما طلب شاهين بك العفو من محمد على، فعفا عنه وسمح له بالإقامة في القاهرة، ومنحه دارًا بالقرب من الأزبكية في أكتوبر 1810، وحذا حذوه عدد آخر من أمراء المماليك، فطلبوا العفو وسكنوا في القاهرة.

موقع المذبحة:
وقعت مذبحة المماليك في قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة والتي أمر ببنائها عام 1176م لتحصين القاهرة من هجمات الصليبيين. حيث استدعى وزيره بهاء الدين قراقوش وأمره أن يُنشئ له قلعة في الجبل، ومنذ ذلك الحين باتت القلعة مقرّ الحكم، حتى بناء قصر عابدين، وبنى محمد علي داخل حدودها الجامع الشهير الذي يحمل اسمه حتى اليوم.
وقد وقعت المذبحة فعليًا عند «باب العزب» أحد أبواب القلعة، وهو ممر صخريّ منحدر تكتنفه الصخور على الجانبين، حيث لا مخرج ولا مهرب. ويشبه الباب في تكوينه بابي الفتوح وزويلة، وهو مكون من برجين كبيرين مستطيلين لهما واجهة مستديرة أعلى كل منهما غرفة وبينهما توجد سقاطة استخدمت لإلقاء الزيوت المغلية على الأعداء الذين يحاولون اقتحام البوابة عنوة، وقد بنى هذا الباب الأمير رضوان كتخدا الجلفي قائد الجنود العزب في موضع باب قديم يرجع تاريخه إلى العصر المملوكي.


ولم ينج من المماليك الأربعمائة والسبعين الذين دخلوا القلعة في صبيحة ذلك اليوم إلا واحد يسمى «أمين بك» كان في مؤخرة الصفوف، واستطاع أن يقفز بجواده من فوق سور القلعة، وهرب بعد ذلك إلى الشام.
وصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة، وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة. وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف السلب والنهب إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط. فمر بالأحياء المهمة التي كانت هدفًا لعدوان الأرناؤوط، وأمر بقطع رؤوس من استمروا في النهب والاعتداء، ونبَّه على الأرناؤوط بأن يقتصروا على القبض على المماليك الذين بقوا أحياء لتخلفهم عن الذهاب إلى القلعة، وكان «كتخدا بك» يأمر بقطع رؤوسهم، ولم ينج منهم إلا من هرب من المدينة مختفيًا وهاجر إلى الصعيد، وأمر محمد علي الدوريات المتنقلة باعتقال كل من يلقونه من المماليك وقتلهم. ويُذكر أن إبراهيم باشا بن محمد علي طارد بعض من فلول المماليك الآخرين الفاريين إلى الصعيد وذلك بعد سنة كاملة من مذبحة القلعة.

كلام صور:
جنود محمد علي باشا وقد أحاطوا بالمماليك من كل جانب وأمطروهم بوابل من الرصاص. بريشة إميل جان هوراس فيرنيه.
مذبحة المماليك في القاهرة، ويبدو محمد علي باشا جالسًا.
باب العزب، حيث حوصر المماليك وقُتِلوا.
رؤوس المماليك على باب مسجد الحسنين آنذاك بريشة جان ليون جيروم (1866).
رسمٌ تخيُّليٌّ لِلمملوك "أمين بك" وقد قفز بحصانه من على سور القلعة.