حدث في مثل هذا اليوم 10 مارس : سقوط مدينة بخارى في أيدي المغول بقيادة جنكيز خان
كانت بخارى عاصمة الإمبراطورية الفارسية السامانية (819 – 999) م؛ حيث شهدت في عهدهم قمة الازدهار التجاري والثقافي والعلمي، واشتهر منها الإمام البخاري (إمام الحديث)، والزمخشرى وابن سينا.
بعد حصار دام 3 أيام، سقطت مدينة بخارى في أيدي المغول بقيادة جنكيز خان، فى 10 مارس من عام 1220، وقام المغول بطرد أهلها، وقتلوا من بقى بداخلها وأنهوا عملهم الوحشى بإحراق المدينة.
واحدة من أقدم مدن آسيا الوسطى:
بخارى هى واحدة من أقدم المدن فى آسيا الوسطى، وقد فتحت فى عهد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك عندما أمر الحجاج بن يوسف الثقفى، القائد قتيبة بن مسلم الباهلى بفتح بلاد ما وراء النهر فسار إليها وتمكن من فتحها سنة ٧٠٩ وعمل على توطيد أقدام المسلمين بها، وبنى بها مسجدا ودعا أهلها للإسلام، ومنذ ذلك الحين أصبحت بخارى تابعة للخلافة الإسلامية إلى أن سقطت فى قبضة المغول بقيادة جنكيز خان فى١٠مارس ١٢٢٠وخربها وهدم كثيرا من صروحها الحضارية، وأحرق مكتبتها، ثم استولى عليها تيمورلنك عام ١٣٨٣ حتى أعاد حكام الأوزبك بناءها وجعلوها عاصمة لدولتهم عام ١٥٠٥، ثم صارت تحت حكم الخانات حتى استولى عليها الروس عام ١٩١٨، وحين قام النظام الشيوعى عام ١٩٢٣صارت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتى حتى انهياره عام ١٩٩١، فصارت إحدى مدن أوزبكستان المستقلة.
طموح جانكيز خان إلى غزو العالم الإسلامي:
بعد أن استطاع جانكيز خان السيطرة على الصين وجزء من آسيا الوسطى على الحدود مع الدولة الخوارزمية المسلمة، بدأ يفكر في غزو العالم الإسلامي وإسقاط الخلافة العباسية في العراق، فعلى الرغم من وجود اتفاق بين جانكيز خان والملك الخوارزمي “محمد بن خوارزم شاه” على حسن الجوار والسلم، إلا أنه ضرب به عرض الحائط فور استقرار الأوضاع له في الصين ومنغوليا، واتخذ جانكيز خان سببًا واهيًا في نقض هذا الاتفاق ليحقق اطماعه الاستعمارية، وكان هذا السبب هو اقدام حاكم مدينة أوترار الخوارزمية على الهجوم على قافلة منغولية في مدينة أترار، فكانت تلك الحجة التي أقدم بها جنكيز خان على غزو العالم الإسلامي.
حصار بخارى:
هاجم جانكيز خان بجيشه الكبير مدينة "بخارى" ذات الحضارة التاريخية وصاحبة العلوم الإسلامية، وضرب حصارًا حولها، حيث نزل جنكيز خان بظاهرها وفرض عليها حصارًا محكمًا، وكانت القوة الإسلامية التي تدافع عنها تتكون من عشرين ألفًا من الجند الخوارزمي، وبعد ثلاثة أيام من المقاومة أصاب الجيش الوهن وتقهقر إلى خراسان محاولًا النجاة، فظل المغول يطاردون الجيش حتى نهر جيحون وأنزلوا به هزيمة منكرة ولم ينج من القتل إلا قلة قليلة، أما من بقى في المدينة شعروا بأن قواهم ضعفت وانتشر اليأس بينهم، وأرسلوا قاضي المدينة بدر الدين يعرض تسليم المدينة لجانكيز خان طالبًا منه الأمان، وفتحت أبوابها بالفعل أمام المغول ودخلها جانكيز خان بجنده في التاسع من مارس عام ودخل إلى المسجد، وصاح بجنده: "لقد قطع العلف اعط الخيل طعامًا"، في اشارة لجنده بأن ينهبوا المدينة ويستحلوها. ويقول الصلابي في كتابه: "وقد دهس المغول بخيولهم صناديق كثيرة تحتوي القرآن الكريم، وأحضروا الخمر إلى المسجد واخذوا يشربون ويطربون."
جانكيز خان يحذر أهل بخارى "إنني نقمة الله على الأرض"
امر جانكيز خان فجيء له بأكثر أهل المدينة ثراء، فقال: "إنني نقمة الله على الأرض، فإذا لم تكونوا مجرمين فإن الله ما كان يسمح لي بأن أعاقبكم"، وطالبهم بكل أموالهم التي يكتنزونها ويدفنونها، اما ما ليس مدفونا فسوف يحصل عليه، وحاصر المغول القلعة بداخل المدينة وقتلوا كل من فيها بعد دفاع من حاميتها الصغيرة دام 11 يومًا، وأمر جانكيز خان أن يخرج جميع السكان من المدينة مجردين من أموالهم، ودخل إليها المغول فقتلوا كل من صادفهم من السكان.
يقول ابن الأثير: "دخل الكفار البلد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه…واقتسموا النساء أيضًا وأصبحت بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس"، بل اشار ابن كثير إلى ان العدد الذي قتله المغول هائل وانهم لم يكتفوا بالقتل بل "فعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهلهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب". ولم يكتف المغول بذلك، ولكنهم اشعلوا النار في المدينة بأسرها فاحترقت مبانيها التي كان أغلبها من الخشب ورحل من بقى من اهلها إلى خراسان. كانت تلك المذبحة بداية لسلسلة من مذابح دموية ارتكبها المغول في غزوهم لبلاد العالم الإسلامي.
400 فارس صمدوا دفاعا عن المدينة حتى سقوطها:
وقد وجد ما يقرب من 400 فارس من فارسى الجيش الخوارزمى لم يخرجوا من المدينة مع سائر الرجال، فذهبوا للاحتماء بالقلعة، وقد دافعت هذه الحامية الصغيرة بكل شجاعة لمدة أحد عشر يوما، وقتلت عددا كبيرا من المغول، ويظهر أن جانكيز خان ركب رأسه عند سقوط عدد كبير من المغول ضحايا فى ساحة القتل، وبعد أن استطاع أن يحدث ثغرة فى الحامية ولم يترك شخصا فيها على قيد الحياة، أرغم بعدها سكان المدينة ان يخرجوا مجردين من أموالهم، ولا يحمل أحد منهم غير ملابسه التى يرتديها، ثم دخل المغول المدينة فأعملوا فيها النهب وقتلوا من صادفهم من السكان.
بخارى هي عاصمة مقاطعة بخارى في أوزباكستان الحالية. تبعد 225 كم غرب مدينة سمرقند جنوب وسط أوزباكستان على نهر (زرافشان)، كانت تلك المنطقة مأهولة بالسكان منذ حوالي ما لا يقل عن خمسة آلاف عامٍ.
عاصرت مدينة بخارى تقريبًا نصف هذه الفترة حينما وقعت المدينة على طول طريق الحرير، فأصبحت مركزًا تجاريًا وثقافيًا وعلميًا مرموقًا، وقد بُنيت المدينة في أوائل عهدها بالقرب من الأنهار نظرًا للمناخ شديد الحرارة الذي تشهده مناطق وسط آسيا، فظهرت بها الزراعة منذ زمنٍ قديم، وشُيّدت الكثير من قنوات المياة في جميع أنحاء المدينة، وبشكل خاص على طول طريق القوافل التجارية لخدمة التجار وحيواناتهم وتزويدهم بالمياه.
دخلت بخارى عام (500) ق.م ضمن سيطرة الإمبراطورية الفارسية، ثم انتقلت إلى سيطرة الإسكندر الأكبر (356 – 323) ق.م، ومن بعده تحت سيطرة الدولة السلوقية الإغريقية (312 – 63) ق.م، ومن بعدها وقعت تحت سيادة اليونان (250 – 125) ق.م، حتى دخلت بعدها تحت سيطرة الإمبراطورية الكوشانية (105 – 250) ق.م، وبعد سقوط الأخيرة؛ سيطرت بعض القبائل المنغولية على المدينة التي شهدت في عهدهم قمة الانحطاط والانحدار حتى وصلت إليها القوات العربية الإسلامية عام (650م / 29هـ)؛ حيث وجد العرب مدينة بها مجموعة من الشعوب متعددة الأعراق والعقائد، لم يعتنق أهل المدينة الإسلام إلا بعد أكثر من قرن ونصف من دخول المسلمين إليها، عندما أصبح الإسلام الدين الغالب على معتقد ساكن المدينة.