التواجد الإيراني في أفريقيا.. تحولات ثلاثية على مدار التاريخ
تمتد العلاقات بين إيران وأفريقيا لقرون، بدءًا من التبادل التجاري والثقافي، وعززت الثورة الإسلامية عام 1979 هذه العلاقات، حيث تبنت إيران سياسة خارجية تركز على دعم حركات التحرير في أفريقيا ونشر مبادئها الثورية.
تبنت إيران سياسة خارجية تركز على دعم حركات التحرير في إفريقيا ونشر مبادئها الثورية، وأدى ذلك إلى تعزيز العلاقات مع العديد من الدول الأفريقية، خاصة تلك التي كانت تُكافح من أجل الاستقلال أو تواجه حكومات استبدادية.
في المرحلة الأولى من العلاقات الإيرانية - الأفريقية اعتمدت طهران على المذهب الشيعي كآلية للانتشار في أفريقيا، وذلك في محاولة للتأثير في طبيعة الانتشار السني فيها، الذي اعتبرته موالياً للخليج العربي على قاعدة وحدة المذهب. واستطاعت إيران بالفعل أن تنشئ عدداً من نقاط الارتكاز لها في مناطق بغرب أفريقيا، وخصوصاً في نيجيريا التي تكون فيها فعلياً جيش شيعي معاد للحكومة حاربها في فترات متفرقة. ولعله من اللافت في هذا السياق إعلان رئيس حرس رئيس جمهورية جزر القمر تشيعه في عام 2008، فضلاً عن وجود تسريبات عن تشيع واسع النطاق في السودان لم يعلن رسمياً. ولعل ذلك هو ما يفسر إقدام السودان على غلق جميع الحسينيات الإيرانية بالسودان في سبتمبر (أيلول) 2014، خصوصاً في ضوء المطالبات الشعبية الداخلية بذلك.
على الصعيد الجيوسياسي انطلقت إيران من المنصة السودانية في عام 1991، مستغلة متطلبات الحرب الأهلية السودانية بين الشمال والجنوب التي كانت حكومة الإنقاذ الإسلامية تسعى إلى حسمها عسكرياً وقتذاك.
المرحلة الثانية من التفاعل الإيراني مع أفريقيا ترتبت على نتائج حرب لبنان عام 2006، حين تعزز الوجود الإيراني في منطقة القرن الأفريقي تحسباً لردود الفعل الإقليمية والدولية على نتائج هذه الحرب.
في هذا السياق استقر الأمر في طهران على خروج إيران من دائرتها المعتادة، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذها البحري تتعدى مياه الخليج العربي والمياه الساحلية للمحيط الهندي، وذلك طبقاً لتقديرات متنوعة منها أولاً قرب القرن الأفريقي من مربع عمليات الشرق الأوسط، ومضيق باب المندب القريب من اليمن حيث كان تدرب الميليشيات الحوثية على يد "الحرس الثوري" الإيراني.
وثانياً كسر أية محاولة من محاولات فرض الحصار على إيران، ومد نفوذ سلاحها البحري إلى ما هو أبعد من الخليج العربي وبحر العرب. وجاءت أول خطوة رسمية لتنفيذ تلك الاستراتيجية في عام 2009، بعد انعقاد القمة الإيرانية - الجيبوتية بالعاصمة جيبوتي بين الرئيس إسماعيل عمر جيلة ونظيره الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد، وهي القمة التي انتهت بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين،وبناء مراكز للتدريب، إضافة إلى منح البنك الإيراني قروضاً للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي، وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين في جامعات طهران وتقديم بعض المساعدات المالية، وكلها خطوات أسفرت عن تزايد النفوذ الإيراني بمنطقة القرن الأفريقي إلى حد ظهور ما يسمي بـ"الحرس الثوري الأفريقي" في الصومال.
وفي ما يخص تلبية الاحتياجات الإيرانية من اليورانيوم فنلاحظ مثلاً الحرص الإيراني على تأسيس علاقات في دول غرب أفريقيا مثل غينيا، التي ظهر فيها اليورانيوم عام 2007 فقفز التبادل التجاري بينها وبين طهران 147 في المئة خلال ثلاث فقط سنوات فقط، وذلك فضلاً عن النشاط الإيراني الفعال في تمتين العلاقات بدول إنتاج اليورانيوم، مثل أوغندا وزيمبابوي التي زارها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في جولته الأخيرة.
المرحلة الثالثة من العلاقات الإيرانية - الأفريقية هي تلك المترتبة على التقارب الإيراني - السعودي الذي جرى برعاية صينية أخيراً، وكذلك تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران على أكثر من صعيد في حالة إقليمية جديدة قد تعضد العلاقات العربية - الإيرانية بشكل عام، وتسهم في تحجيم مستوى التحديات لإيران في أفريقيا، وهي التحديات التي أسهمت بشكل فعال في التراجع الإيراني في القارة السمراء خصوصاً في فترة حكم الرئيس السابق حسن روحاني، التي شهدت تجاذباً إيرانياً مع كل من الخليج والمغرب على خلفية حرب اليمن وأزمة جبهة البوليساريو، وإذا كانت الأزمة الأولى وجدت طريقاً نحو التسوية فإن أزمة العلاقات الإيرانية - المغربية ما تزال في الأفق وتتطلب من الدبلوماسية الإيرانية اهتماماً خاصاً.