دار الإفتاء المصرية توضح كيفية توزيع مبلغ التأمين على الحياة
كيفية توزيع مبلغ التأمين على الحياة.. سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية، وكان نصه: « كيفية توزيع مبلغ التأمين على الحياة في حالة تحديد المستفيدين أو عدم تحديدهم، فقد توفي رجلٌ وله مستحقات تأمينية لدى إحدى شركات التأمين على الحياة، وبمراجعة هذه الشركة لصرف مبلغ التأمين، وُجد أنه حَدَّد مستفيدين لهذا المبلغ، ولم يُحدِّد أنصِبَتَهم فيه، فكيف يُقسم بينهم؟ ومَن هو المستحق له إذا لم يُحدِّد مستفيدين؟».
كيفية توزيع مبلغ التأمين على الحياة
وبدرها أجابت دار الإفتاء أنه ما دامَ الشخص المتوفى (المؤمَّن له) قد حدَّد المستفيدين لمبلغ التأمين على الحياة مِن غير تحديد نصيب كلٍّ منهم، فإن حددهم بأسمائهم أو بأسمائهم وأوصافهم فإنه يُصرف إليهم مُقسَّمًا بينهم بالسَّوية، لا فرق في ذلك بين كون المستفيد ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وارثًا أو غيرَ وارثٍ.
وأشارت إلى أن حددهم بأوصافهم فقط فيُصرف مُقسَّمًا بينهم بالسَّوية ما دامت الصفة قائمة بالموصوف، فإن زالت الصفة عنه وزع نصيب صاحبها بالتساوي بين بقية المستفيدين الآخرين إن وجدوا، فإن لم يوجد مستفيد غيره فمرد مبلغ التأمين إلى لوائح المؤمِّن، فإن لم تنص على ذلك، فيكون التوزيع بالقسمة الشرعية على ورثة المؤمن له بعد وفاته، وإن حدَّدهم باعتبار وصفهم ورثة شرعيين، فحينئذٍ يصرف لهم مبلغ التأمين، بنسبة ما يستحقه كل واحدٍ منهم في الميراث.
وأما بالنسبة لكيفية التوزيع عند عدم تحديد مستفيدين، فمرد توزيعه إلى لوائح المؤمِّن، فإن لم تنص على ذلك، فيكون التوزيع بالقسمة الشرعية على ورثة المؤمن له بعد وفاته.
كيفية توزيع هذا المال على المستفيدين وتحديد أنصبتهم فيه
أما توزيع هذا المال على المستفيدين وتحديد أنصبتهم فيه، فعلى صورتين:
الصورة الأولى: أن يختص المؤمِّن وحده بتحديد كيفية توزيع هذه المبالغ التأمينية على حسب اللوائح المعمول بها لديه، فلا يُمنح المؤمَّنُ له حقَّ تحديد توزيع هذا المال. ويكون التوزيع حينئذ على حسب لوائح المؤمِّن، باعتباره هو المتبرع بمبلغ التأمين انتهاءً فله حقُّ تحديد المستفيدين.
والصورة الثانية: أن يُمنح المؤمَّن له حقَّ تحديد المستفيدين، وأنصبتهم، ولذلك حالتان:
ألَّا يحدد المؤمَّن له المستفيدين لمبلغ التأمين
الحالة الأولى: ألَّا يحدد المؤمَّن له المستفيدين لمبلغ التأمين، وهنا يكون مرده إلى لوائح المؤمِّن، فإن لم تنص على ذلك، فيكون التوزيع بالقسمة الشرعية على ورثة المؤمن له بعد وفاته، باعتبار هذا المال -حيث خلا العقد عن مستفيدين به محددين- حقًّا منتقلًا لورثة المؤمن له بعد وفاته.
ووجه ذلك: أنَّه في حالة عدم تحديد (المؤَمَّن له) للمستفيد من مبلغ التأمين بعد وفاته، لا بالاسم الكامل ولا بالصفة المميزة، يصبح هو نفسه المستفيد (بعد وفاته)، ومِن ثَمَّ يدخل مبلغ التأمين في تَرِكَتِه، ثمَّ ينتقل إلى ورثته، لا باعتبارهم مستفيدين، بل باعتبارهم ورثة، فيُراعى فيه أحكام التَرِكَة وفقًا لقواعد الميراث.
وهو قريبٌ ممَّا نصَّ عليه فقهاء الشافعية والحنابلة فيمَن نَصَبَ شبَكةً للصيد في حياته، فسقط فيها صيد بعد موته، فإن هذا الصيد يدخل في تَرِكَتِه، باعتبار أنَّ نَصْبَ الشبَكة سببُ المِلك.
قال العلامة ابن حَجَر الهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" (6/ 382، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(تَرِكَة الميت) وهي ما يخلف من حقٍّ... وكذا ما وَقَعَ بشَبَكَةٍ نَصَبَهَا في حياته على ما قاله الزركشي، وفيه نظر؛ لانتقالها بعد الموت للورثة، فالواقع بها مِن زوائد التركة، وهي مِلْكُهُم، إلا أنْ يُجابَ بأنَّ سببَ المِلك نَصْبُهُ للشَّبَكَة، لا هي، وإذا استَند المِلكُ لِفِعلِهِ يكون تَرِكَةً] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (6/ 182، ط. مكتبة القاهرة): [ولو تَجَدَّدَ لِلْمَيِّتِ مالٌ بعد مَوْتِه، بأن يَسْقُطَ في شَبَكَتِه صَيْدٌ، لَوَرِثَهُ وَرَثَتُه، ولذلك قَضَيْنَا بثُبُوتِ الإِرْثِ في دِيَتِه، وهي تَتَحَدَّدُ بعد مَوْتِه، فجازَ أَنْ تُمْلَكَ بالوَصِيَّةِ] اهـ.
وقال العلامة السَّنْهُوري في "الوسيط" (7/ 1440، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا مات قبل أن يستعمله، دخل مبلغ التأمين في تركته؛ لأنه لا يوجد مستفيدٌ، فيصبح هو المستفيد، ومِن ثمَّ ينتقل مبلغ التأمين إلى ورثته، لا باعتبارهم مستفيدين، بل باعتبارهم ورثة] اهـ.
ولا يعترض على ذلك بأن مبلغ التأمين مستفاد في كلِّ الأحوال بسبب المُؤَمَّن له، فينبغي أن يكون ضمن تركته في كلِّ الصور؛ وذلك لأنَّ التفريق بين كلِّ صورة جارٍ على تحديد المُؤَمَّن له للمستفيدين، فهو حينما يحدد مستفيدين فقد قصد بذلك التَّبَرُّع بمبلغ التأمين لشخص مَن حدَّدَه، بخلاف الصورة التي ليس فيها تحديد، ومن ثمَّ لم يوجد مستفيد، ولذا رجع مبلغُ التأمين إليه.
يحدد المؤمَّن له المستفيدين لمبلغ التأمين
والحالة الثانية: أن يحدد المؤمَّن له المستفيدين لمبلغ التأمين، وهذه الحالة يندرج تحتها عدة صور، وبيانها على النحو الآتي:
الصورة الأولى: أن يحدد أسماءهم فقط -كفلانة- أو أسماءهم مع أوصافهم -كفلانة زوجتي-، فإن حدد نصيبهم كأن قال: لفلانة أو فلان مبلغ كذا، أو نصف مبلغ التأمين، أو لفلانة (زوجتي) مبلغ كذا فيأخذ كلُّ مستفيدٍ منهم نصيبَهُ المحدَّد له بعد وفاة المؤمَّن له.
وإن لم يحدد نصيبهم فيُصرف مبلغ التأمين إليهم مُقسَّمًا بينهم بالسَّوية، لا فرق في ذلك بين كون المستفيد ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا؛ لأنَّ مبلغ التأمين انتقل إليهم بصفتهم مستفيدين لا وارثين وهم جميعًا متساوون في سبب الاستحقاق -وهو العقد المُبْرَم فيه الاتفاق على تحديدهم دون تمييزٍ لأحدٍ-، فيثبت لهم الحقُّ فيه بالتساوي؛ لما تقرَّر أن "التساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق"، كما قال الإمام المرغيناني في "الهداية" (4/ 526، ط. دار إحياء التراث العربي)، وهو ما نصَّ عليه فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة .