اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

النازحون في غزة.. مأساة إنسانية تحت وطأة القصف والحصار

النازحون في غزة
النازحون في غزة

تعيش عائلات النازحين من شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة ظروفًا إنسانية قاسية، بعد أن أجبرتهم الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023 على ترك منازلهم المدمرة والبحث عن ملاذ آمن. إلا أن ما وجدوه كان مأوى في ملاعب كرة القدم، منازل آيلة للسقوط، أو مراكز إيواء مكتظة. وفي هذا السياق، يستعرض النازحون معاناتهم المستمرة في ظل حصار الاحتلال الإسرائيلي المستمر والذي يفاقم الأوضاع المعيشية.

وصل هؤلاء النازحون إلى "المجهول"، حيث لا مكان يؤويهم سوى أماكن مدمرة وشوارع مليئة بالدمار. فقد قطعوا مسافة تزيد عن 15 كيلو مترًا مشيًا على الأقدام بحثًا عن الأمان، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة ظروف إنسانية صعبة في مدينة غزة، التي كانت هي الأخرى قد تأثرت بشدة جراء القصف المستمر.

الملاجئ المؤقتة.. ملاعب كرة القدم وبيوت مدمرة

ملعب اليرموك في قلب مدينة غزة، الذي كان في السابق مركزًا رياضيًا يشهد مباريات كرة القدم، تحول إلى مأوى لآلاف النازحين. غطت الخيام الساحة الخضراء للملعب، ليصبح ملاذًا أخيرًا للعديد من العائلات التي فقدت منازلها في الشمال. لكن الحياة في الخيام كانت أشبه بالجحيم بالنسبة للكثيرين، إذ لا توفر الخيام الحد الأدنى من المقومات الأساسية للحياة. يفتقر النازحون إلى الطعام والمياه الكافية، مع صعوبة توفير خدمات النظافة الشخصية والراحة.

الشاب حمدي أمن، الذي نزح مع عائلته من بلدة بيت لاهيا، يصف حياة الخيمة بأنها "قاسية جدًا". يقول: "رفضنا النزوح في البداية لأننا لم نكن نريد العيش في خيمة، لكن بعد أسابيع من الحرب لم يكن لدينا خيار سوى ذلك." ويتابع: "الطعام غير كافٍ، والمياه محدودة للغاية. الحياة داخل خيمة لا تطاق، خصوصًا مع الأجواء الباردة التي تهب ليلاً".

معاناة من البرد والمياه النادرة

لا تقتصر المعاناة على نقص الطعام والماء، بل يتفاقم الوضع بسبب الأجواء الباردة التي يشهدها القطاع مع بداية فصل الخريف. النازحون يفتقرون للأغطية الكافية أو الملابس الثقيلة، ما يجعلهم يشعرون ببرودة شديدة ليلاً. وفي هذا السياق، يروي رامي المدهون، النازح من مخيم جباليا، عن معاناة والده المسن الذي يعاني من البرد القارس ولا يجد ما يدفئه. يقول: "والدي يئن طوال الليل من البرد، لكن لا أستطيع أن أقدم له شيئًا يخفف من الألم."

الأمل في العودة: بين الحنين والمخاوف

ورغم المعاناة المستمرة في الخيام، يبقى الأمل في العودة إلى المنازل المدمرة هو ما يعزز من عزيمة بعض النازحين. هشام سالم، الذي نزح مع عائلته من مخيم جباليا، يعبر عن أمله في العودة إلى مكانه قائلاً: "نحن هنا في الخيام بسبب الحنين لمخيمنا، ونأمل أن نعود في أقرب وقت. لكن الظروف هنا قاسية جدًا. لا يوجد ماء كافٍ، والطعام سيء جدًا إن وجد."

الحصار والمجاعة: الأزمة تتفاقم

تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل كبير في غزة مع الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع. الأسعار ارتفعت بشكل جنوني، وأصبحت المواد الغذائية نادرة جدًا. النازحون يجدون أنفسهم في مواجهة مجاعة حقيقية، مع نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية. علا فايز، النازحة من مخيم جباليا، تروي معاناتها قائلة: "المجاعة انتشرت من شمال القطاع إلى غزة. لا نجد طعامًا، وإذا وجدنا فهو بأسعار خيالية."

آلام متواصلة وسط القصف

النازحون في غزة لا يعانون فقط من الظروف المعيشية القاسية، بل يواجهون أيضًا تهديدات مستمرة من القصف. أصوات التفجيرات والقصف المدفعي تملأ الأجواء، والشظايا تتساقط بشكل متكرر فوق الخيام، ما يزيد من مخاوف الجميع. "يومياً تحلق طائرات الاحتلال، وتطلق الرصاص على المخيمات. أحيانًا نسمع أصوات انفجارات تهز الأرض، وتصلنا شظايا"، يقول هشام سالم.

حصار مستمر وجريمة إبادة جماعية

منذ الخامس من أكتوبر 2023، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا بريًا واسعًا على شمال قطاع غزة، ما خلف مئات القتلى والجرحى. في ظل هذا العدوان المستمر، ارتكبت إسرائيل مجازر جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. بحسب آخر التقارير، بلغ عدد الشهداء والجرحى أكثر من 146 ألف شخص، بالإضافة إلى آلاف المفقودين.

رغم تنديد المجتمع الدولي وتوجيهات مجلس الأمن، تستمر سلطات الاحتلال في القصف والتهجير القسري في قطاع غزة، ما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني.

الخاتمة

يبقى الوضع في غزة كارثيًا على كافة الأصعدة، فالنازحون يواجهون الموت البطيء بسبب الجوع والعطش، والعديد منهم يعيشون في ظل تهديدات مستمرة من القصف والدمار. ومع استمرار الحصار الإسرائيلي، تتضاعف معاناة المدنيين الذين لا يجدون إلا القليل من الدعم والمساعدات الإنسانية.