هل جلب طوفان الأقصى النصر لروسيا؟ تحليل المشهد العالمي بعد 7 أكتوبر

منذ السابع من أكتوبر 2023، بدا وكأن الحرب في أوكرانيا تأخذ منحى جديدًا، لا بفعل التطورات العسكرية في الميدان، بل نتيجة لما جرى في غزة. فبمجرد أن وصلت الحرب الإسرائيلية إلى مراحلها الأكثر دموية، بدأت خطوات عملية بين الولايات المتحدة وروسيا لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، تمهيدًا لعملية تفاوضية قد تنهي النزاع. هذه التطورات، التي تبدو وكأنها مصادفة تاريخية، تطرح تساؤلات عما إذا كان الأمر مجرد تتابع طبيعي للأحداث أم أنه جزء من ترتيبات مخفية خلف الكواليس.
خروج روسيا من الشرق الأوسط
قبل اندلاع معركة غزة، كانت روسيا حاضرة بقوة في الشرق الأوسط عبر تحالفها مع إيران، سوريا، حزب الله، الحوثيين، وحماس. ولكن مع تصاعد الأحداث، وجدت هذه الأطراف نفسها في مواجهة غير مسبوقة، ربما دون إدراك أنها ستدفع الثمن الأكبر. وبينما كانت الولايات المتحدة تستنزف خصومها التقليديين، بدا وكأن موسكو قررت التراجع عن هذه الساحة، بعد أن أدت تلك الأطراف دورها في إنهاك المعسكر المناهض لروسيا، سواء عبر استنزاف إسرائيل أو تحفيز انقسامات داخلية في الغرب. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أدركت هذه القوى أنها كانت تُستخدم لتحقيق توازن استراتيجي أوسع، أم أنها كانت تظن أن بوسعها تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟
7 أكتوبر يعيد تشكيل الحسابات الأمريكية
جاءت أحداث 7 أكتوبر في توقيت حساس بالنسبة للولايات المتحدة، حيث كان الرئيس بايدن يقترب من نهاية ولايته الأولى. دخول واشنطن في أزمة جديدة في الشرق الأوسط أعاد إحياء خطاب دونالد ترامب، الذي يركز على "أمريكا أولًا"، وتقليل التدخلات الخارجية، وتوجيه الموارد لخدمة المواطن الأمريكي. مع صعود احتمالات فوزه، بات الحديث عن وقف الحرب في أوكرانيا أكثر جدية، خاصة مع وعوده بإنهاء الصراع وخفض التكاليف العسكرية.
أوكرانيا.. الحرب التي لم تعد تُحسم عسكريًا
قبل 7 أكتوبر، كانت التحليلات الغربية تُجمع على أن طرد روسيا من الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا بات أمرًا بالغ الصعوبة. بدأت الأصوات تتعالى بضرورة وقف القتال والاستعداد لحل تفاوضي، وهو ما قد يُفسر التصعيد في الشرق الأوسط على أنه محاولة أخيرة لإعادة ترتيب الأوراق قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض. إذا كان ذلك صحيحًا، فإن موسكو استفادت من هذا التصعيد لتعزيز موقفها التفاوضي، وإجبار الغرب على التكيف مع واقع ميداني لا يمكن تغييره بسهولة.
الدور العربي.. مقايضة الاستقرار بالنفوذ
في خضم هذه التحولات، سعت بعض الدول العربية المناوئة لإيران إلى استرضاء روسيا عبر الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية، أملاً في تحييد موقفها أو حتى دعمها في صراعها الإقليمي مع طهران. فالمعادلة لم تعد تقتصر على أوكرانيا وحدها، بل امتدت إلى توازن القوى في المنطقة. فمع تصاعد تهديد الحوثيين للسعودية، وتزايد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، بدا أن بعض الدول العربية رأت في التعاون مع موسكو وسيلة لتخفيف المخاطر المستقبلية.
ترامب وبوتين.. تقاطع المصالح لا يعني السلام الدائم
رغم أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا قد يكون واردًا في ظل إدارة ترامب، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة سلامًا دائمًا. ترامب، البراغماتي بطبيعته، قد يسعى لإنهاء الحرب من أجل تعزيز فرص نجاح ولايته الثانية، لكن دون الاعتراف رسميًا بالمكاسب الروسية. سيظل الموقف الأمريكي الرسمي يقول إن الأراضي التي تحتلها موسكو "أوكرانية"، حتى لو تم تجميد الصراع. ومع ذلك، فإن أي رئيس أمريكي قادم، خاصة بعد انتهاء فترة ترامب، قد يعود مجددًا لدعم أوكرانيا وتسليحها لاستعادة أراضيها.
روسيا في مأزق طويل الأمد؟
بظاهره، يبدو أن بوتين خرج منتصرًا من هذه المواجهة، إذ حافظ على مكاسبه في أوكرانيا وأجبر الغرب على القبول بواقع جديد. لكن هل هذا النصر مستدام؟ المحللون في الجغرافيا السياسية يرون أن انتصار بوتين الحالي قد يتحول إلى عبء مستقبلي. فمع تقدمه في العمر، وانعدام وضوح خليفته، قد تجد روسيا نفسها في حالة من الاضطراب الداخلي، وهو ما يراهن عليه الغرب على المدى الطويل. حينها، قد تكون الفرصة مواتية لإعادة فتح ملف أوكرانيا وإعادة تفعيل الصراع.
ترامب وجرينلاند
عندما تحدث ترامب عن رغبته في شراء جرينلاند من الدنمارك، سخر كثيرون من الفكرة. لكن في الواقع، ما طرحه ترامب يعكس رؤية استراتيجية عميقة ترتبط بمصالح أمريكا في القطب الشمالي، حيث تتزايد المنافسة مع روسيا والصين على الموارد والممرات البحرية. إذا تم التوصل إلى صفقة مع موسكو بشأن أوكرانيا، فقد تسعى واشنطن لتعويض ذلك عبر تعزيز نفوذها في مناطق أخرى، سواء في القطب الشمالي أو الشرق الأوسط.
طوفان الأقصى.. جزء من معركة عالمية
من منظور استراتيجي، يبدو أن "طوفان الأقصى" لم يكن مجرد معركة فلسطينية-إسرائيلية، بل جزءًا من لعبة دولية أكبر. مع الحديث عن تسوية في أوكرانيا، فإن المرحلة القادمة قد تشهد تحولات جديدة، حيث يراهن الغرب على مرحلة ما بعد بوتين، بينما تركز روسيا على تثبيت مكاسبها. في المقابل، تظل المنطقة العربية غارقة في صراعاتها الداخلية، عاجزة عن الاستفادة من هذه التغيرات لصياغة مستقبل أكثر استقرارًا.
روسيا إلى أين؟
السؤال الكبير الذي يبقى بلا إجابة: من سيحكم روسيا بعد بوتين؟ هل سيكون وريثًا لنهجه السياسي، أم شخصية أكثر انفتاحًا على الغرب؟ هل ستبقى روسيا قوة مركزية صلبة أم تتفكك بفعل الأزمات الداخلية؟ هذه الأسئلة تشغل صناع القرار في الغرب، الذين ينتظرون اللحظة المناسبة لإعادة تشكيل المشهد الدولي لصالحهم.
في النهاية، وسط كل هذه التغيرات العالمية، تبقى منطقتنا العربية مسرحًا للعبة أكبر، حيث تُستخدم فيها أحدث أدوات الذكاء الصناعي والاستراتيجيات السياسية، بينما لا تزال شعوبها غارقة في صراعات طائفية وحروب أهلية لا تخدم إلا القوى الكبرى.