ابتهال أبو السعد.. فتاة مغربية هزت عرش مايكروسوفت

تمثل ابتهال أبو سعد نموذجًا فريدًا لشابة عربية جمعت بين التفوق الأكاديمي في أرقى الجامعات العالمية، والوعي السياسي الحاد الذي دفعها إلى تحدي واحدة من أقوى شركات التكنولوجيا في العالم. ولدت في الرباط عام 1999، ونشأت في بيئة تعليمية ساعدتها على بلوغ آفاق بعيدة في مجالات العلوم والهندسة، قبل أن تتحول تجربتها المهنية إلى منصة احتجاج صريح على ما اعتبرته "تواطؤاً تكنولوجياً" مع آلة الاحتلال.
التكوين العلمي والنضج المبكر
تميزت أبو سعد منذ سن مبكرة بحبها للرياضيات والبرمجة، حيث تخرجت من ثانوية مولاي يوسف في العاصمة المغربية بتفوق عام 2017، في تخصص "العلوم الرياضية". هذا التميز العلمي مهد لها الطريق للحصول على منحة إلى جامعة هارفارد، التي تُعد أحد أبرز معاقل النخبة الأكاديمية في العالم، وهناك اختارت أن تتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو مجال أصبح اليوم محركاً للابتكار، لكنه أيضًا ساحة للصراع الأخلاقي.
ولم تكن تجربتها في جامعة هارفارد منعزلة عن السياق الاجتماعي؛ إذ كانت قد خاضت تجربة ملهمة في صيف 2016 ضمن برنامج "TechGirls"، الذي تموله وزارة الخارجية الأميركية، ويهدف إلى تمكين الفتيات من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجالات العلوم والتكنولوجيا. ووصفت هذه التجربة بأنها "غيرت حياتها"، إذ مكّنتها من زيارة مختبرات التكنولوجيا الكبرى، والتفاعل مع قيادات فكرية وعلمية، الأمر الذي زرع فيها شغف التغيير الاجتماعي عبر التكنولوجيا.
تكنولوجيا من أجل التمكين
لم تكن ابتهال من أولئك الذين يكتفون بتلقي المعرفة، بل سعت منذ المراحل الأولى إلى إعادة توجيهها نحو خدمة من هم أقل حظاً. وقد أسست أثناء المرحلة الثانوية منتدى "IT Weekend" لتعليم علوم الكمبيوتر للفتيات ذوات الدخل المحدود، وشاركت في مبادرات تقنية مثل "Technovation Challenge"، التي تدرب الفتيات على تطوير حلول تكنولوجية لمشكلات اجتماعية محلية. كما شاركت في برامج لمحو الأمية الرقمية في الولايات المتحدة، وكانت تُدرّس البرمجة للأطفال، مما يكشف عن إدراكها المبكر لأهمية دمج التكنولوجيا في مشاريع التمكين الاجتماعي.
من التفوق الأكاديمي إلى المأزق الأخلاقي داخل مايكروسوفت
بعد تخرجها من هارفارد، التحقت أبو سعد عام 2022 بشركة مايكروسوفت، حيث عملت ضمن فريق الذكاء الاصطناعي، وساهمت في تطوير خدمات سحابية متقدمة، خاصة على منصة "Azure"، بالإضافة إلى مشاركتها في تقنيات المراقبة وتحليل البيانات. وقد عُينت في مشاريع تتداخل فيها التقنية مع السياسات الأمنية، ما وضعها لاحقاً في صراع داخلي مع منظومة عمل الشركة.
في أبريل 2025، وبينما كانت مايكروسوفت تحتفل بالذكرى الـ50 لتأسيسها، ظهرت ابتهال على منصة الحدث بشكل مفاجئ، وقاطعت كلمة مديرها المباشر، مصطفى سليمان، متهمة إياه بشكل مباشر بأن مايكروسوفت تُسخّر تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم الجيش الإسرائيلي. ووصفت هذا الدعم بأنه مساهمة مباشرة في "الإبادة الجماعية" بحق الفلسطينيين، مشيرة إلى أن 50 ألف شخص قتلوا في الحرب الأخيرة، وأن شركتها كانت شريكاً غير معلن في هذه الجرائم من خلال بيع أدوات ذكاء اصطناعي تُستخدم في الاستهداف والمراقبة.
ضمير مهني يواجه مؤسسة عملاقة
الرسالة التي نشرتها لاحقًا عبر موقع "ذا فيرج" كشفت أن ابتهال لم تعد قادرة على الصمت بعدما اكتشفت أن خدمات مايكروسوفت تُستخدم في عقود مباشرة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك عقد بقيمة 133 مليون دولار لتخزين بيانات عبر "Azure"، تُستخدم في مراقبة الفلسطينيين. كما أدانت الشركة بقمع الأصوات المعارضة داخلياً، من خلال فصل موظفين نظموا احتجاجات سلمية.
ابتهال لم تكتفِ بالكلام العام، بل قدمت سردًا دقيقًا لتصاعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل إسرائيل، مؤكدة أن استخدامها تضاعف بنحو 200 مرة منذ السابع من أكتوبر 2023. وكشفت أن هذه الأدوات تُستخدم في إدارة أكثر الملفات حساسية، مثل بنك الأهداف وسجل السكان الفلسطيني، مما يعني أنها دخلت في عمق الآلة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
مفترق طرق بين الابتكار والتواطؤ
ما يميز قصة ابتهال أبو سعد هو أنها تلقي الضوء على الوجه الأخلاقي للتكنولوجيا، في لحظة عالمية تشهد انفجاراً في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب والمراقبة. ومن خلال احتجاجها، أثارت أسئلة جوهرية: ما حدود مسؤولية المبرمج والمهندس عن كيفية استخدام منتجاته؟ وهل يمكن لموظف في شركة تكنولوجية أن يتحول إلى "مسؤول سياسي" حين يدرك أن عمله يُستغل في الإضرار بالبشرية؟
موقف ابتهال لا يعكس فقط شجاعة شخصية، بل يُبرز الفجوة بين القيم المعلنة للشركات التقنية الكبرى وقيمها الفعلية، خاصة حين يتعلق الأمر بمصالح جيوسياسية وعقود مربحة. فبينما تدّعي هذه الشركات التزامها بالحياد والشفافية، نجدها – كما تشير حالة مايكروسوفت – تنخرط في شبكات النفوذ العسكري والأمني، مستخدمة التكنولوجيا في سياقات قمعية.
صوت عربي نسائي في وجه الإمبراطورية الرقمية
في عالم يندر فيه تمثيل النساء العربيات في كبرى شركات التقنية العالمية، جاءت ابتهال أبو سعد لتقول كلمتها في لحظة مفصلية. لم تُخِفها المؤسسة، ولا العقود، ولا الشهرة، بل اختارت أن تصنع فرقًا أخلاقيًا بجرأتها، وتعيد تسليط الضوء على سؤال: هل يمكن للتكنولوجيا أن تكون محايدة في زمن الاحتلالات؟ سؤال لم تُجِب عليه فقط، بل قررت أن تصرخ به علنًا.