تداعيات الحرب التجارية لترامب على الاقتصاد الأمريكي والعالمي

أشعلت السياسات الحمائية التي تبنّاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولا سيما فرض التعريفات الجمركية الواسعة، موجة من الاضطرابات في الأسواق المالية، وعززت المخاوف من ركود اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة، بحسب تحليل نشرته وكالة "بلومبرغ".
وتأتي هذه التحركات ضمن نهج اقتصادي قائم على "أمريكا أولاً"، ما يعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات التجارية الدولية، لكنه في الوقت ذاته يهدد بتقويض استقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
الرسوم الجمركية كمحفز للركود
أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على واردات من دول عدّة، من بينها الصين، فيتنام، ودول الاتحاد الأوروبي. هذه الرسوم، التي فاقت توقعات المحللين، لم تقتصر آثارها على التصنيع المحلي فحسب، بل امتدت إلى السلع الاستهلاكية المستوردة مثل السيارات والإلكترونيات والملابس، ما ينذر بارتفاع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين.
ومن منظور اقتصادي، تُعد هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، إذ إنها تعزز احتمال الركود التضخمي – وهي حالة نادرة تتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي بالتوازي مع ارتفاع التضخم، ما يُعقّد مهمة صانعي السياسات النقدية.
تشير "بلومبرغ" إلى أن الرسوم الجمركية خلقت حالة من الضبابية في الأوساط الاقتصادية، دفعت العديد من الشركات إلى تجميد استثماراتها، وسط قلق من الخطوة التالية للرئيس. كما ساهمت في تراجع ثقة المستهلك، أحد أعمدة النمو الأمريكي، خاصةً بعد ضعف الإنفاق خلال شهري يناير وفبراير، رغم تراجع الأحوال الجوية القاسية التي أثّرت على نشاط يناير تحديداً.
انخفاض ثقة المستهلكين، مقروناً بتراجع سوق الأسهم – حيث هبط مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 12% عن ذروته في فبراير – يُعزز الانطباع العام بوجود اضطراب اقتصادي واسع النطاق، خاصة مع التوقعات بأن هذه الرسوم ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج للشركات، ما ينعكس إما على المستهلكين من خلال الأسعار أو على أرباح الشركات عبر ضغط هوامش الربح.
الاحتياطي الفيدرالي يجد نفسه في موقف معقد: فارتفاع الأسعار يتطلب رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، لكن القيام بذلك في ظل تباطؤ النمو قد يُقوّض سوق العمل ويزيد من البطالة. تشير تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، مثل سوزان كولينز، إلى إدراك واضح بأن التعريفات الجمركية سترفع التضخم على المدى القصير، مع اختلاف التقديرات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون مؤقتة أم مستدامة.
من جهة أخرى، تعكس تصريحات ترامب حول كون الاقتصاد الأمريكي يمر بـ"مرحلة انتقالية" محاولة لتقليل وقع الأزمة المحتملة، لكنها لم تمنع زيادة احتمالية الركود حسب استطلاعات "بلومبرغ" (من 25% في فبراير إلى 30% في مارس). كما أن توجه الإدارة نحو تقليص الجهاز الفيدرالي، والذي قد يؤدي إلى فقدان أكثر من نصف مليون وظيفة بحلول 2025، يُمثّل عاملاً إضافياً يُضعف القدرة الاستهلاكية ويزيد من هشاشة الاقتصاد في حال تفاقمت الأزمة.
وفيما يرى البعض في سياسة ترامب التجارية خطوة ضرورية لإعادة التوازن إلى ميزان التجارة الأمريكي، فإن بلومبرغ تحذر من أن هذه الاستراتيجية تُعرّض الولايات المتحدة لخطر مزدوج يتمثل في تباطؤ اقتصادي حاد وتضخم متصاعد – وهو مزيج يُنذر بما يُعرف تاريخيًا بـ"الركود التضخمي".
تُوضح "بلومبرغ" أن الركود الاقتصادي ليس له قالب موحد. ففي حين كان ركود عام 2020 قصيرًا نسبيًا بفعل صدمة الجائحة، فإن أزمات مثل "الركود الكبير" (2007-2009) أو أزمة 1929 جاءت نتيجة اختلالات هيكلية عميقة وانهيارات مالية. وتاريخيًا، ارتبطت فترات الركود العميقة بتراجع حاد في سوق العمل والنشاط الصناعي والدخل الحقيقي.
مع أن الولايات المتحدة تجنبت ركودًا خلال 2022 رغم التوقعات، فإن مؤشرات عام 2025 تبدو مقلقة، خاصة مع تزايد التوتر بين المستهلكين منخفضي الدخل، والارتفاع الملحوظ في مخاوف التخلف عن سداد الديون، بحسب بيانات الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
تُختتم "بلومبرغ" تحليلها بالتأكيد على الطابع المتشابك للاقتصاد العالمي. فحرب ترامب التجارية لا تقتصر آثارها على الداخل الأمريكي، بل تمتد إلى شركاء تجاريين أساسيين، ما يُهدد بزعزعة سلاسل التوريد العالمية. ومع أن الولايات المتحدة شهدت 11 ركودًا منذ 1950، فإن عدد حالات الركود العالمي كان أقل بكثير (خمس فقط)، ما يُعطي بصيص أمل في أن الاقتصاد العالمي قد يكون أكثر مرونة، حتى في حال تعثّر الاقتصاد الأمريكي.