اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الرئيس الصيني يدعو أوروبا لمواجهة التصعيد التجاري الأمريكي

الصين
الصين

في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وجّه الرئيس الصيني شي جين بينغ دعوة صريحة إلى الاتحاد الأوروبي للوقوف إلى جانب بكين في الدفاع عن النظام الاقتصادي العالمي القائم على التعددية، والتصدي لما وصفه بـ"التنمر الأحادي"، في إشارة واضحة إلى السياسات التجارية الأحادية التي تنتهجها واشنطن بقيادة الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترمب.
خلال لقائه برئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، شدد شي على أن الصين والاتحاد الأوروبي يمثلان "ركيزتين أساسيتين" لدعم العولمة الاقتصادية والتجارة الحرة. وأعرب عن استعداد بلاده لتعميق التعاون مع إسبانيا، وتوسيع مجالات الشراكة لتشمل الطاقة الجديدة، والتكنولوجيا المتقدمة، والمدن الذكية، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقلال الاقتصادي الأوروبي، وبناء تكتل مضاد للضغوط الأمريكية.
الرئيس الصيني لم يخفِ قلقه من التصعيد الأمريكي، لكنه في المقابل أكد ثبات الصين وثقتها في قدرتها على الدفاع عن مصالحها، مشيراً إلى أن دور بلاده يتجاوز حماية حقوقها السيادية، ليشمل الدفاع عن العدالة الدولية والنظام القائم على القواعد، في إشارة واضحة إلى محاولات واشنطن تقويض المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية.


إسبانيا تبحث عن التوازن


من جانبه، تبنّى رئيس الوزراء الإسباني موقفاً دبلوماسياً أكثر توازناً، مشدداً على أهمية الحوار والتفاوض لحل الخلافات، ومؤكداً التزام بلاده بدعم علاقات "قوية ومتوازنة" بين الاتحاد الأوروبي والصين. كما أبدى رفضه الصريح للحرب التجارية، معتبراً أن "لا رابح فيها"، في موقف يعكس توجهاً أوروبياً متنامياً يرفض الانجرار خلف الاستراتيجية الأميركية التصعيدية.
سانشيز، الذي وقع خلال الزيارة 4 اتفاقات تعاون مع بكين في مجالات متنوعة، من بينها التعليم والعلوم والصناعات الثقافية والدوائية، بدا مصمماً على استغلال زيارته لتوطيد الروابط السياسية والاقتصادية مع الصين، بما يعزز من مكانة بلاده كجسر بين بكين وبروكسل.

تصاعد الضغط الأميركي


في المقابل، كانت إدارة ترمب مستمرة في تصعيدها الاقتصادي ضد بكين، حيث أعلن البيت الأبيض عن رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية إلى ما يقارب 145%، في إجراء يهدف إلى كبح النمو الصناعي والتكنولوجي الصيني. كما لوّح ترمب بإعادة فرض الرسوم المجمدة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال مهلة 90 يوماً، مؤكداً أنه لا نية لإعفاءات جديدة في الوقت الحالي.
ورغم اللهجة المتشددة، أبدى ترمب رغبة في التوصل إلى اتفاق "يحقق مصالح البلدين"، مما يكشف عن مأزق داخلي تعيشه الإدارة الأميركية بين رغبتها في احتواء الصين وضرورة الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التراجع الذي شهدته الأسواق الأميركية نتيجة هذه التوترات.

ملامح أزمة ممتدة

تأتي هذه التطورات في سياق تصاعد الاحتكاك بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض التفوق التكنولوجي الصيني ومنع بكين من فرض نفوذها في سلاسل التوريد العالمية. بينما ترد الصين بمحاولة توسيع تحالفاتها التجارية، وطرح نفسها كمدافع عن العولمة والانفتاح الاقتصادي.
الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من خلافاته العميقة مع الصين في قضايا مثل حقوق الإنسان والتكنولوجيا، إلا أنه بات يجد نفسه أمام خيار استراتيجي: إما الانحياز إلى واشنطن بكل تبعاته السياسية والاقتصادية، أو انتهاج سياسة مستقلة تؤمّن مصالحه الاقتصادية وتقلل من التبعية الأمريكية.


إعادة رسم خريطة القوى الاقتصادية

من الواضح أن ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة رسوم جمركية، بل هو صراع على مستقبل النظام العالمي. الصين تحاول تعزيز موقعها عبر توسيع شراكاتها الاستراتيجية مع أوروبا، والولايات المتحدة تسعى لإعادة تشكيل ميزان القوى التجاري والتكنولوجي لصالحها. أما الاتحاد الأوروبي، فيقف على مفترق طرق، يحاول من خلاله الحفاظ على مصالحه دون الدخول في صراع مفتوح مع أحد القطبين.
ووسط هذا المشهد المضطرب، تبدو الدول المتوسطة مثل إسبانيا، أقرب إلى لعب دور الوسيط الذكي، الذي يستثمر في علاقات متوازنة دون أن يفقد بوصلته الأوروبية.

موضوعات متعلقة