اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار
أوروبا تعلن عن مساعدات ضخمة للسلطة الفلسطينية «إحدى حلقات مسلسل حربه على الإعلام.. ترامب يتوعد شبكة شهيرة بـ«ثمن باهظ» قنوات خلفية ومحادثات غير معلنة.. هل يُمهِّد لقاء مبعوث ترامب وبوتين لتسوية محتملة في أوكرانيا؟ في ختام ” مستقبل التراث.. رؤى وتحديات”: الحفاظ على التراث يعزز الانتماء اتجاه الوطن كتيبات الطوارئ تنتشر في أوروبا.. استعدادات متزايدة لمواجهة محتملة مع روسيا وسط شكوك شعبية المحادثات الأمريكية الإيرانية.. روما تستضيف الجولة المقبلة مأزق المفاوضات بين حماس وإسرائيل.. تعثر الوساطات واشتداد النزيف الإنساني في غزة قمة مصرية-قطرية.. تأكيد على دعم إعمار غزة ورفض التهجير وسط تقاطعات إقليمية شائكة الإعلام البريطاني: يجب علينا تخيل العالم ما بعد الولايات المتحدة خلاف دبلوماسي بين تل أبيب وباريس.. دعم ماكرون للدولة الفلسطينية يشعل هجوماً من نتنياهو ونجله باكستان تُصعّد عمليات الترحيل الجماعي للأفغان.. أزمة إنسانية وتوترات متزايدة مع طالبان ترامب عن رسومه الجمركية: لن يفلت أحد من العقاب.. والصين تعاملنا أسوأ معاملة

بين الرقابة والترويج.. كيف تدير الصين الخطاب العام حول الرسوم الأميركية الجديدة؟

الرسوم الجمركية
الرسوم الجمركية

في سياق التصعيد التجاري الأخير بين الصين والولايات المتحدة، قدمت صحيفة نيويورك تايمز قراءة معمقة لسلوك السلطات الصينية تجاه الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية الأميركية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بنسبة 104%، والتي دخلت حيّز التنفيذ حديثًا. اللافت في هذا السياق ليس فقط طبيعة الرد الصيني، بل كيفية توجيه الرأي العام الداخلي والتعامل الإعلامي الممنهج مع الأزمة.

1. رقابة انتقائية وتهيئة ذهنية داخلية

السلطات الصينية لم تتجاهل الأزمة بل اختارت مسارًا انتقائيًا في معالجتها إعلاميًا. فبينما فرضت رقابة على الوسوم (#هاشتاغات) التي تتناول الرسوم الجمركية مباشرة على منصات مثل "ويبو"، سمحت في المقابل بتداول محتوى ساخر من الولايات المتحدة أو محتفى بقوة الصين الاقتصادية. هذه المفارقة تعكس رغبة بكين في التحكم بالسردية الوطنية، وتجنب تركيز الرأي العام على تداعيات القرار الأميركي على الاقتصاد الصيني، مقابل تعزيز الثقة الذاتية والروح القومية.
الرسالة التي تظهر للمستخدمين عند محاولة الوصول إلى وسوم متعلقة بالرسوم تؤكد أن هذه المواضيع "غير متاحة"، مما يشير إلى إغلاق متعمّد للنقاش المفتوح حول آثار السياسة الأميركية، والاكتفاء بإبراز الردود الرسمية أو الدعائية الموجهة.

2. استخدام الإعلام الرسمي كأداة تعبئة نفسية

الإعلام الحكومي، وعلى رأسه هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية وصحيفة الشعب اليومية (الناطقة باسم الحزب الشيوعي)، قاد حملة خطابية واضحة ذات طابع تعبوي. الرسائل التي تم ترويجها مثل: "الصين لا تثير المشكلات ولكنها لا تخشاها"، أو "أميركا تتوسل البيض وسط حربها التجارية" تمثل لغة تحدٍ تهدف إلى تعزيز الجبهة الداخلية، وإعادة صياغة الأزمة كفرصة وليس تهديدًا.
كما سلطت المقالات الضوء على المرونة الاقتصادية للصين، مشيرة إلى أن البلاد استفادت من سنوات طويلة من الخلافات التجارية لتقوية سلاسل التوريد وتنويع الاقتصاد. وفي هذا السياق، فإن إظهار قدرة الصين على "تحويل الضغوط الخارجية إلى قوة دافعة للتقدم"، يعزز الثقة الجماهيرية بقدرة القيادة على إدارة الأزمات.


3. غياب صريح لموقف القيادة العليا.. مع رسائل ضمنية

من اللافت أن الرئيس شي جينبينغ لم يعلّق مباشرة على الرسوم الجديدة، ما يعكس سياسة "الصمت التكتيكي" التي غالبًا ما يتبعها في أوقات الأزمات المعقدة. لكن بالمقابل، أشارت وسائل الإعلام الرسمية إلى اجتماعات عقدها مع كبار المسؤولين، ناقش فيها "تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة وتطوير التعاون الصناعي وسلاسل التوريد"، ما يُفهم منه أنه رد غير مباشر على التحديات الاقتصادية الأميركية.


4. دور المؤثرين في تشكيل الوعي الجماهيري

منصات التواصل الاجتماعي، رغم الرقابة، شهدت تفاعلًا لافتًا من مؤثرين مقربين من الدولة أو داعمين لنهجها، مثل المحامي بانغ جيولين الذي يمتلك أكثر من 10 ملايين متابع. تصريحاته التي أكد فيها أن "الصين قادرة على فعل كل ما يلزم"، وأن المواطنين لن يحتجوا كما يحدث في أميركا، تعبّر عن نبرة وطنية عالية تخاطب الفخر القومي والاستعداد للتضحية.


5. تحجيم المعارضة وتحويل الأنظار

رغم أن بعض المستخدمين أبدوا قلقًا حقيقيًا من تداعيات الحرب التجارية، فإن أصواتهم بقيت هامشية. هذا الأمر يعكس استراتيجية إعلامية مركّبة تهدف إلى تحجيم المخاوف العامة وتوجيه الانتباه نحو انتقاد السياسات الأميركية بدلًا من تقييم آثارها الواقعية داخليًا.
ويرى جا إيان تشونغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية، أن الحزب الشيوعي لا يرغب بكشف حجم التعقيد أو المخاطر، نظرًا لغياب خطة واضحة للتعامل مع آثار الرسوم. ولهذا يُرجّح أن القيادة تسعى إلى التحكم بخطاب الأزمة بدلًا من طرح حلول علنية قد تفتح بابًا للتساؤلات أو النقد.

التعامل الصيني مع الرسوم الجمركية الأميركية يعكس تحولاً من إدارة الأزمة الاقتصادية إلى إدارة الأزمة الإعلامية والنفسية. عبر فرض رقابة، وتوجيه خطاب تعبوي، واستبعاد النقاش الحر، تسعى بكين لضمان التماسك الداخلي، وتقديم صورة عن "صين قوية لا تنكسر". غير أن هذا النهج، رغم فعاليته على المدى القصير، قد يُخفي تحديات حقيقية لا يمكن تجاهلها لفترة طويلة، خصوصًا في ظل التصاعد المستمر في التوترات التجارية مع واشنطن.

موضوعات متعلقة