اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ترامب والتصعيد الجمركي مع الصين.. مقامرة مكلفة على حساب الاقتصاد الأمريكي

 ترامب والتصعيد الجمركي مع الصين
ترامب والتصعيد الجمركي مع الصين

في خطوة تثير جدلًا واسعًا وتداعيات اقتصادية عميقة، قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الصين بنسبة 104% بدءًا من الأربعاء، تضاف إلى رسوم سابقة ليرتفع إجمالي الرسوم على بعض السلع إلى 125%.
هذا القرار، الذي وصفه كثير من المحللين بـ"الجنوني"، يعيد إلى الواجهة سياسة الحمائية الاقتصادية التي تبناها ترامب خلال فترة رئاسته، لكنه هذه المرة يصطدم بواقع أكثر تعقيدًا وتكلفة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.

نزيف اقتصادي داخلي المستهلك الأمريكي أول الضحايا

الردود الأولى جاءت من السوق نفسه. فقد شهدت المتاجر الأمريكية اندفاعًا محمومًا لشراء أجهزة الموبايل والكمبيوتر، في محاولة استباقية لتجنب ارتفاعات متوقعة في الأسعار.
ذلك لأن الصين لا تزال ثاني أكبر مصدر للواردات الأمريكية (بقيمة 439 مليار دولار في 2024)، وتغطي طيفًا واسعًا من المنتجات الاستهلاكية اليومية، من الإلكترونيات إلى الأحذية والألعاب.

ومع أن بعض الشركات الأمريكية قد تلجأ إلى التحول إلى موردين بديلين في دول مثل فيتنام أو المكسيك، فإن هذه البدائل لا تملك القدرة الإنتاجية أو السعرية الكافية لتعويض السلع الصينية الرخيصة، ما يعني أن المستهلك الأمريكي سيواجه ارتفاعات سعرية ملموسة وقاسية.

حرب تجارية خاسرة.. أمريكا تدفع الثمن الأكبر

تبدو هذه الخطوة امتدادًا لمقامرة غير محسوبة. ففرض رسوم جمركية بهذا الحجم سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوريد داخل الولايات المتحدة، مما يهدد الصناعات الصغيرة والمتوسطة ويزيد من احتمال تسريح العمال وتراجع معدلات النمو.
الرهان على إعادة التصنيع المحلي داخل الولايات المتحدة يفتقر للواقعية، إذ أن سوق العمل الأمريكي لا يستطيع توفير الأيدي العاملة الكافية، ناهيك عن المهارة أو حجم الإنتاج الذي تتمتع به الصين.
كما أن سياسات بكين في دعم المصنعين وتخفيض قيمة اليوان (وآخرها أكبر خفض منذ عام 2023) تجعل المنافسة السعرية شبه مستحيلة.

أصداء إعلامية قاتمة.. تشاؤم وتحذيرات

التحليلات الصادرة من الشبكات الأمريكية الكبرى لا تخفي قلقها. فحتى المنتجات الأساسية مثل الأحذية ستشهد ارتفاعًا ملحوظًا، فكيف بالأجهزة الذكية والإلكترونيات؟
من الواضح أن القرار لا يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير أو الطويل، بل قد يؤدي إلى اضطراب في الأسواق المحلية والعالمية.

بين عناد السياسيين وحسابات الواقع

المتحدثة باسم البيت الأبيض شددت على أن ترامب "لن يتراجع"، وأنه يتمتع بـ"إرادة فولاذية". لكن الواقع يُظهر أن المواقف المتصلبة في الحروب الاقتصادية نادرًا ما تثمر عن انتصارات، بل تنتهي بخسائر جماعية.

والتاريخ مليء بالأمثلة التي تُظهر أن القادة الذين يدخلون معارك اقتصادية بلا استراتيجية واضحة غالبًا ما ينتهون إلى عزلة أو انتحار سياسي واقتصادي.

الرسوم الجديدة على الصين ليست فقط تصعيدًا تجاريًا، بل مقامرة اقتصادية عالية المخاطر، قد تكلف الأمريكيين غاليًا، وتكشف حدود السياسة الحمائية في عالم مترابط اقتصاديًا.
وفي ظل الأزمات العالمية المتعددة، فإن أي سياسة تنأى عن الواقعية الاقتصادية وتتغذى على الشعارات، قد تدفع البلاد نحو ركود لا تُحمد عقباه.

موضوعات متعلقة