مأزق المفاوضات بين حماس وإسرائيل.. تعثر الوساطات واشتداد النزيف الإنساني في غزة

وسط تصاعد المعاناة الإنسانية في قطاع غزة واستمرار الحرب الإسرائيلية منذ أكثر من ستة أشهر، تسعى الأطراف الإقليمية والدولية إلى إحياء المفاوضات المتعثرة بين حركة "حماس" وإسرائيل بهدف التوصل إلى اتفاق هدنة جديد. وفي هذا الإطار، عقد وفد حماس المفاوض، برئاسة خليل الحية، سلسلة اجتماعات مع مسؤولين مصريين وقطريين في القاهرة، في محاولة جديدة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، برعاية مصر وقطر كوسطاء رئيسيين.
ورغم التصريحات الإيجابية من جانب حماس حول استعدادها لإبرام "صفقة تبادل شاملة" تشمل إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، فإن المفاوضات ما زالت تراوح مكانها. وأشار طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحماس، إلى أن "المشكلة لا تكمن في أعداد الأسرى"، بل في "مماطلة الاحتلال وتنصله من تنفيذ الاتفاقات ورفضه تقديم ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار".
مناورات مرحلية وتجاهل القضايا الجوهرية
توضح التصريحات أن إسرائيل تسعى إلى فصل ملف الأسرى عن باقي القضايا الجوهرية، مثل الانسحاب الكامل من غزة ووقف إطلاق النار الدائم، وهو ما ترفضه حماس وتعتبره محاولة لفرض حلول مجتزأة تفتقر إلى ضمانات سياسية. ويرى مراقبون أن إسرائيل تفضل التركيز على مرحلة أولى جزئية – تتضمن إطلاق عدد محدود من الرهائن الأحياء – مقابل تعهد أميركي فقط بالدخول لاحقاً في مفاوضات حول المرحلة الثانية، وهو ما تعتبره حماس "غير كافٍ" و"غامضاً" في ظل سوابق من عدم التزام إسرائيل.
وأشار مصدر مطلع على تفاصيل الاجتماعات إلى أن اللقاءات بين وفد حماس والمسؤولين المصريين والقطريين لم تُفضِ إلى أي تقدم ملموس، ما يعكس عمق الخلافات حول القضايا الأساسية. وتعزز ذلك تقارير إعلامية إسرائيلية كشفت عن عرض جديد قُدم لحماس يتضمن الإفراج عن عشرة رهائن مقابل ضمانات سياسية غربية فقط، دون التزامات مباشرة من تل أبيب.
سلاح المقاومة في قلب المعركة
تصريحات النونو أكدت بشكل قاطع أن "سلاح المقاومة خط أحمر"، وأن أي مفاوضات لا يمكن أن تتناول نزع هذا السلاح، كونه "مرتبطاً باستمرار الاحتلال". وهذا الموقف يعكس فهماً واضحاً لدى حماس لطبيعة الصراع باعتباره قضية تحرر وطني وليست مجرد أزمة إنسانية أو نزاع قابل للحل بتسويات مؤقتة.
تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في التوسع، خصوصًا منذ استئناف الضربات الجوية في 18 مارس/آذار، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1574 فلسطينيًا إضافيًا، ليرتفع عدد القتلى الإجمالي منذ بدء الحرب إلى ما يزيد عن 50,944 شخصًا، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. وفي مقابل ذلك، تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 أسفر عن مقتل 1218 شخصًا وخطف 251 رهينة، لا يزال 58 منهم محتجزين، مع إعلان الجيش الإسرائيلي أن 34 من هؤلاء قد قتلوا.
مستقبل غامض رغم الوساطات
رغم الجهود الدؤوبة التي تبذلها الأطراف الوسيطة، لا تزال فرص التوصل إلى هدنة شاملة متعثرة، في ظل فجوة الثقة الكبيرة بين الطرفين. فحماس تطالب بضمانات ملزمة لوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي شامل، بينما تتجه إسرائيل نحو حلول مجزأة تركز على استعادة الأسرى دون إنهاء شامل للحرب. وتزيد التباينات في المواقف، وخصوصًا حول مستقبل المقاومة الفلسطينية، من صعوبة الوصول إلى تسوية سياسية قريبة.
كما تكشف الأزمة الحالية عن واقع سياسي وأمني شديد التعقيد، تتداخل فيه العوامل الميدانية والإنسانية والضغوط الدولية. ومع استمرار القصف وسقوط آلاف الضحايا، تقف غزة على مفترق طرق حاسم: فإما اتفاق شامل يعيد بعض الأمل، أو انفجار أعنف في ظل استمرار الاحتلال وتآكل الوساطات. وفي الحالتين، يبقى المدنيون هم الحلقة الأضعف، يدفعون وحدهم فاتورة السياسة والسلاح.