اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

قيود إسرائيلية تحرم مسيحيي الضفة من ”أحد الشعانين”.. وكنائس القدس تحت الحصار الروحي

أحد الشعانين
أحد الشعانين

في مشهد يعكس تعقيدات الواقع السياسي والديني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منعت القوات الإسرائيلية، الأحد، آلاف المسيحيين الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية من الوصول إلى القدس لإحياء طقوس "أحد الشعانين"، الذي يُمثّل مناسبة مركزية في التقويم المسيحي، ويأتي قبيل عيد الفصح بأسبوع، مستحضرًا ذكرى دخول السيد المسيح إلى المدينة المقدسة.

ورغم رمزية المناسبة وقدسيتها، خصوصًا في القدس التي تحتضن كنيسة القيامة، أحد أقدس الأماكن لدى المسيحيين في العالم، إلا أن المشاركة في إحيائها بقيت حكرًا على عدد محدود من المصلين من سكان المدينة وأراضي 1948، في حين طُوِّق آلاف المؤمنين المسيحيين خلف الحواجز العسكرية الإسرائيلية، ليُستثنوا من الحضور الروحي الذي ينتظرونه عامًا بعد عام.

إجراءات مشددة وأذونات تعجيزية

فرضت السلطات الإسرائيلية إجراءات أمنية مشددة على مداخل القدس، وضيّقت على حركة الفلسطينيين، عبر حواجز عسكرية محيطة بالمدينة، واشترطت حصول الراغبين في دخول المدينة على تصاريح خاصة تخضع لما تسميه "فحصًا أمنيًا"، إضافة إلى تحميل تطبيق إلكتروني خاص لتقديم الطلبات. وغالبًا ما تُقابل هذه الطلبات بالرفض، ما حرم آلاف العائلات من ممارسة أبسط حقوقهم الدينية.
وفي هذا السياق، أوضح الأب إبراهيم فلتس، نائب الرئيس العام لحراسة الأرض المقدسة، أن الاحتلال لم يصدر سوى 6 آلاف تصريح من أصل نحو 50 ألف مسيحي يعيشون في محافظات الضفة، معتبرًا أن ذلك يندرج ضمن سياسة ممنهجة لتقليص الوجود المسيحي الفلسطيني في القدس، واستهداف نسيجها الاجتماعي والديني.


أحد الشعانين تحت الحرب

أقيمت قداديس وصلوات "أحد الشعانين" داخل كنيسة القيامة بمشاركة عدد من رؤساء الكنائس والبطريركيات، يتقدمهم بطريرك اللاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، وبطريرك الروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث، وسط أجواء روحانية خافتة تغيب عنها الجموع المؤمنة، في انعكاس واضح لانقسام الواقع بين شعائر الإيمان وإجراءات الاحتلال.

واقتصر الاحتفال في القدس على الشعائر الدينية، بعد أن ألغت الكنائس جميع مظاهر الاحتفال بالأعياد، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، الذي ألقى بظلاله على الأجواء الدينية في عموم الأراضي الفلسطينية، وفرض حالة من الحزن والمقاطعة الرمزية للمظاهر الاحتفالية.

وفي غزة، حيث يعيش المسيحيون ظروفًا إنسانية قاسية تحت القصف، لم يمنع الدمار والدموع من إقامة الصلوات في كنيسة العائلة المقدسة للاتين وكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس. هذه الصلوات جاءت كصرخة روحانية من قلب الجراح، تعبّر عن تمسّك أبناء الأرض المقدسة بإيمانهم وهويتهم رغم كل التحديات.

صراع على الروح والرمز

تعكس هذه القيود الإسرائيلية على المناسبات الدينية، ليس فقط سياسة تضييق على الحريات الدينية، بل صراعًا على الرموز والمكانة، ومحاولة لفرض السيطرة الكاملة على القدس، المدينة التي تشكل مركزًا روحيًا ومقدسًا للأديان الإبراهيمية الثلاثة.
وبينما ترفع الكنائس صلواتها من أجل السلام والعدالة، يبقى المشهد الميداني أسيرًا لقيود الاحتلال، ما يضع علامات استفهام كبرى حول احترام إسرائيل للمواثيق الدولية التي تضمن حرية العبادة، ويجدد مطالب الفلسطينيين – مسلمين ومسيحيين – بحرية الوصول إلى مقدساتهم، دون حواجز أو تصاريح تُفرّغ المناسبات الدينية من معناها الإيماني والإنساني.

موضوعات متعلقة