حلف الناتو في أفريقيا.. استراتيجية جديدة واهتمام متزايد بالقارة السمراء
تُولي منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) اهتمامًا متزايدًا للقارة الأفريقية في السنوات الأخيرة، وأصدرت الناتو عام 2019 مفهومًا جديدًا للأمن يحدد أفريقيا كمنطقة ذات أهمية استراتيجية.
وتستند استراتيجية الناتو في أفريقيا إلى ثلاثة ركائز رئيسية:
دعم الأمن والاستقرار
يسعى الناتو إلى دعم جهود الدول الأفريقية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهديدات الأمنية الأخرى.
بناء القدرات
يقدم الناتو المساعدة للدول الأفريقية في بناء قدراتها العسكرية والأمنية.
الشراكة
يسعى الناتو إلى تعزيز الشراكة مع الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية الأفريقية.
لأول مرة في تاريخ حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تم دمج منطقة شمال أفريقيا والساحل في صلب العقيدة الاستراتيجية للحلف كما صدر عن قمة مدريد التي اختتمت أعمالها في 30 يونيو 2022. ويندرج هذا التحول في السياق الدولي الجديد المتسم بالحرب الأوكرانية-الروسية، وامتداداتها الإقليمية في مرحلة تشهد سيولة واسعة في الخارطة الجيوسياسية الأفريقية.
شكّلت أفريقيا ساحةً مهمة من ساحات الصراع الدولي الجديد بعد اندلاع الحرب الأوكرانية. وانعكست هذه الأهمية في ثلاثة ملفات أساسية: التصويت الأفريقي في الأمم المتحدة بمختلف مؤسساتها الذي انطبع عموماً بحياد الدول الأفريقية ورفضها الانحياز إلى الكتلة الغربية، والصراع الغربي-الروسي في الساحة الأفريقية حيث يلاحَظ اختراق روسي متزايد لبلدان القارة وصل بقوة إلى مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، والتنافس على موارد الطاقة الأفريقية وبصفة خاصة الغاز الطبيعي الذي تطمح بعض الأطراف الأوروبية إلى أن تعوض به الإمدادات الروسية.
وجرت هذه التحولات في مرحلة شهدت الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي، وتراجع الدور الأمني الأوروبي في منطقة الساحل، مع عودة الانقلابات العسكرية إلى المنطقة مُخلّفةً أزمة ثقة متزايدة بين الحكومات الجديدة وشركائها الغربيين.
وبينما انضمت مؤخراً بعض البلدان الأفريقية ذات العمق الفرانكفوني المعروف إلى رابطة الكمونولث التي تشرف عليها بريطانيا (التوغو والغابون بعد رواندا)، عبّرت بعض البلدان الأفريقية الرئيسة مثل نيجيريا ومصر (بالإضافة إلى إيران والأرجنتين والسعودية وتركيا) عن رغبتها في الانضمام إلى تجمع الدول الصاعدة (البريكس) الذي يضم البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا، الأمر الذي نُظر إليه بامتعاض في العالم الغربي.
وقد قدمت المملكة المغربية في 8 يونيو 2022 مبادرةً لبناء تحالف أفريقي يضم الدول الأطلسية الأفريقية، من خلال الاجتماع الوزاري الأول لدول أفريقيا الأطلسية الذي ضم 21 بلداً والذي عقد في الرباط في التاريخ نفسه، تجسيداً لمقترح أمريكي يعود إلى ثماني سنوات يقضي بإنشاء "ناتو أفريقي" يُعهد إليه بمواجهة مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة والقرصنة. كما أن قمة الدول السبع الصناعية الكبرى التي انعقدت في ألمانيا في 26 يونيو 2022 ضمّت الرئيس السنغالي ماكي صال الذي يرأس الاتحاد الأفريقي حالياً، في إطار الحرص على استمالة الأطراف الأفريقية في الصراع الدولي الراهن.
حرص "المفهوم الاستراتيجي الجديد" لحلف "الناتو" على تأكيد الثوابت الكبرى لهذا الحلف الذي تأسس عام 1949 ويضم ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ومن أهم هذه الثوابت دفاع الولايات المتحدة عن أمن أوروبا التي تشكل المحور الحيوي لحلف "الناتو" الذي استعاد عافيته إثر الحرب الأوكرانية، بعد أن كان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أعلن في السابق أنه في حالة موت سريري.
وفق البيان الاستراتيجي الصادر عن قمة مدريد، تشكل روسيا "أكبر خطر مباشر" يواجه أمن دول الحلف إثر عودة الحرب إلى العمق الأوروبي، بحيث لم يعد من المستحيل أن يستهدف التهديد الروسي سيادة وأمن الدول الأوروبية الأعضاء، كما أنه قد يعيق استراتيجية الحلف في التوسع داخل المجال الأوروبي. ومن هنا اعتبر البيان أنه من الضروري الوقوف ضد محاولات روسيا تكريس مناطق النفوذ في الفضاء الأوربي-الأطلسي، بما يعني إنهاء كل مبادرات الشراكة السابقة مع روسيا في تصور وإدارة الأمن الأوروبي.
وللمرة الأولى، اعتبر الحلف في عقيدته الاستراتيجية الجديدة أن الصين تشكل "تحدياً لأمن دول الحلف ومصالحها وقيمها"، بما تقوم به من سياسات إغراء مادي وضغوط عنيفة واختراق سيبراني من شأنها أن تزعزع أمن العالم واستقراره. وفي هذا السياق المزدوج، برزت الحاجة إلى تأمين الحدود الجنوبية للحلف الأطلسي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال عدة توجهات نوقشت في قمة مدريد، من أهمها:
العمل على إعادة الحضور العسكري والأمني الأوروبي في منطقة الساحل من خلال الدور الفرنسي-الإسباني لتطويق النفوذ الروسي الجديد في المنطقة وسد الثغرات التي نفذ منها، وأيضاً لمحاربة الإرهاب.
منح موريتانيا (التي دُعيت إلى قمة مدريد) والمغرب منزلةَ الشريكين المتميزين للحلف، في إطار السعي إلى بناء كتلة موالية فعالة في شمال أفريقيا وغربها، بعد فشل تجربة تجمع دول الساحل الذي رعته في السابق فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي.
دعم مشروع الحلف الأطلسي الأفريقي الذي يضم الدول المطلة على المحيط الأطلسي، مع التركيز على الدول الحليفة القريبة، مثل المغرب وموريتانيا والسنغال وكوت ديفوار (ساحل العاج).
توفير الدعم الغذائي والإنساني والاقتصادي لبلدان المنطقة، لقطع الطريق أمام استفادة الصين من الأوضاع المعيشية المتأزمة في الإقليم، ولمكافحة الهجرة.
البحث عن بدائل للطاقة، وبصفة خاصة الغاز الطبيعي، من خلال تشجيع الشراكة بين الاتحاد الأوربي ودول غرب أفريقيا في نقل الغاز إلى أوروبا عن طريق بلدان المغرب العربي (الاهتمام بصفة خاصة بمشروع الأنبوب الغرب أفريقي الذي سينقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب).