اتفاق وقف القتال بين القاعدة وداعش في مالي.. تأثيرات على الأمن والاستقرار
التوصل إلى اتفاق لوقف القتال بين تنظيمي القاعدة وداعش في مالي مؤخرًا أثر بشكل سريع على الأرض، حيث لاحظ تصاعد تهديدهما لأمن بعض دول المنطقة، واستيلائهما على موارد البلاد، وتوسيع نطاق سيطرتهما الجغرافية، مما أدى إلى زيادة قدرتهما على تكبيد مالي ومناطقها المجاورة الأضرار.
وساعدت الهدنة بين التنظيمين الإرهابيين اللدودين على التفرغ لتنفيذ الخطط الخاصة بكليهما على حدة، والتركيز على قتال العدو المشترك لهما وهو قوات الأمن في مالي، وعناصر فاغنر الروسية.
وظهرت انعكاسات اتفاق الهدنة بين القاعدة وداعش في مالي، على حجم العمليات ونوعية الهجمات التي شُنت مؤخرًا، حيث أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (فرع القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي) في الرابع من مايو الجاري سيطرتها على قاعدة تابعة للجيش في ولاية موبتي، وقبلها قتلت عشرة عناصر في ميليشيا موالية للنظام في شمال مالي.
ويتيح تقاسم مناطق النفوذ، وفقًا لخطط جغرافية أكثر وضوحًا على المدى البعيد، مضاعفة المساحات الجغرافية التي يسيطران عليها مع احترام كل منهما لمناطق نفوذ الآخر.
وعلى الرغم من أن اندماجًا أو صيغة تعايش مستدامة بين فرعي القاعدة وداعش في مالي من الصعب تحققها نظرا للاختلاف بين مرجعيتهما العقائدية وأهدافهما النهائية، إلا أن اتفاق الهدنة المرحلي الذي عقد في فبراير الماضي يفيد كليهما في منطقة بدأت تشهد فراغًا أمنيا بسبب رحيل القوات الفرنسية، ثم الأميركية.
ويخدمهما وقف الصراع وتكريس الهدنة والتنسيق الميداني في تعظيم وجودهما بعيدًا عن مناطق التنازع السابقة بينهما والانشغال بالتوسع على حساب مناطق تقع تحت سيطرة القوات الحكومية، بدلًا من استنزاف بعضهما والتقاتل على بسط النفوذ على أراض يسيطران عليها بالفعل.
وأعقب تدشين اتفاق الهدنة مباشرة تنفيذ الهجوم النوعي المزدوج على قاعدة للجيش بالقرب من كوالا، حيث قُتل أكثر من ثلاثين جنديا بعد هجوم نفذه مئة مسلح من الموالين لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وسبقته مباشرة عملية انتحارية بسيارة مفخخة.
وأظهر فرعا القاعدة وداعش في مالي منذ نهاية العام الماضي ميلًا للتعاون بعد صراعات دامية أحيانا واشتباكات عَرَضية أحيانًا أخرى. فعلى الرغم من الظروف المواتية لكليهما لتحقيق انتصارات كبيرة عانيا من هزائم في عديد من المناطق، وبالكاد حافظا على وجودهما ولم يحرزا توسعًا كبيرًا إلا بعد الانتقال للحكم العسكري في مالي واضطرار القوات الغربية إلى الرحيل، وصولًا إلى بدء إحراز تقدم أكبر بعد تكريس الهدنة بينهما.
ومنذ ذلك الوقت، توقفت مجلة داعش الأسبوعية (النبأ) عن نشر مقالات وتقارير تحرّض ضد فرع القاعدة الذي بادل داعش دعائيًا السلوك نفسه، بما عُد تهيئة لحوار وتنسيق ميداني على الأرض.
ولم يتحقق الاندماج الكامل بين التنظيمين، وتبيّن أن تشكل فصيل جديد نتج من دمج الكيانين تحت مسمى (وحدة المسلمين) هو مجرد تخمينات، إلا أن الاكتفاء بما جرى من تقارب وإنهاء للصراع والتنسيق بينهما يمنحهما جملة من الفوائد، أكثر من عوائد الدمج الكامل الذي قد يثير صراعا على القيادة.
وتمكّن أهمية الهدنة بين الكيانين المتمردين ووقف إطلاق النار بينهما في منطقة ميناكا شرقي مالي فرع القاعدة (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، من تحقيق الهدف الرئيسي في المرحلة الراهنة، والمتمثل في عزل شمال البلاد عن جنوبها واستعادة القدرة على مهاجمة جيش مالي في مناطق سيطرته.
ويحاول تنظيم القاعدة في مالي إضعاف ثقة المواطنين في القيادة العسكرية الحاكمة وخلق فراغ في السلطة وتعميم حالة انعدام الأمن والاستقرار عبر مواصلة شن هجمات نوعية ضد القوات الحكومية وتعطيل الأنشطة الاقتصادية وعزل حواضر المقاطعات وتقويض البنية التحتية وقطع بعض الطرق الرئيسية، وإنشاء مناطق دعم بمواقع إستراتيجية قريبة من مدن رئيسية في المقاطعات.
ويهدف فرع القاعدة من وراء تنفيذ هذه النوعية من التكتيكات إلى حصار الحكومة المركزية وتأكيد عجزها عن توفير الأمن والخدمات الأساسية للسكان، وصولًا إلى إسقاط وتحييد سلطة الدولة في العاصمة باماكو.
ويتيح هذا التطور لفرع داعش في الساحل الأفريقي التمتع بقدرات أكبر لتعزيز سيطرته على مناطقه والتحرك باتجاه السيطرة على مناطق أخرى، وهو ما يتحقق بالتنسيق مع تنظيم القاعدة الذي يسيطر على مناطق موزعة على الشمال قريبًا من الحدود مع الجزائر، والوسط (منطقة موبتي) وحتى حدود موريتانيا جنوبًا تحت سيطرة كتائب تحرير ماسينا وزعيمها القوي أمادو كوفا.
وضاعف فرع داعش في مالي من مساحة الأراضي التي يسيطر عليها بين عام 2022 والنصف الأول من عام 2023، مُستفيدًا من الانسحاب الطوعي لفرع القاعدة من مناطق في شمال شرقي مالي، ما مكنه من حصار العاصمة الإقليمية ميناكا ومزاولة نشاط تجاري واسع، وفرض ضرائب داخل وخارج المدينة وفي العديد من المناطق الريفية.
ويعوّل فرع داعش في مالي (ولاية الساحل) الذي يعمل بشكل أساسي في منطقة الحدود الثلاثية ليبتاكو غورما بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر على التنسيق والتعاون الميداني مع فرع القاعدة القوي في المنطقة للتعافي من آثار انتكاسات سابقة وتعويض فقدانه للكثير من القادة العسكريين، وآخرهم قائد عملياته العسكرية مالام موسى.
ويزيد من فوائد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين جراء إنهاء صراعها مع فرع داعش، تعاونها الصاعد مع تنسيقية الحركات الأزوادية الانفصالية، والذي ظهر جليًا في عدد من الهجمات المنظمة والمواجهات التي جرت بينهما وبين القوات الحكومية أو ضد عناصر قوات فاغنر.
وجاءت الهدنة بين فرعي داعش والقاعدة في مالي وتفرغهما لصراعهما مع القوات الحكومية وشركائها المدعومين من روسيا في وقت تعاني فيه السلطة العسكرية في باماكو من عزلة محلية، عقب مقاطعة الأحزاب السياسية وجماعات مسلحة بالشمال للحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه رئيس المجلس العسكري العقيد أسيمي غويتا في منتصف أبريل الماضي.