التسلح الذاتي.. خطر الانزلاق نحو الفوضى في السودان
باتت المعارك والاشتباكات في السودان تندلع في أي مكان وزمان من دون سابق إنذار أو حتى أوامر عسكرية، قصف عشوائي وخليط من مقاتلي الجنود النظاميين والمستنفرين والكتائب المتطرفة إلى جانب مسلحين ذاتيين، أزياء متداخلة بين العسكرية والمدنية مع غياب أي مؤشرات على قرب توقف الحرب وتضاؤل آمال العودة إلى المفاوضات، فهل تتجه حرب السودان إلى الخروج عن السيطرة وتتحول إلى صراع طاحن طويل الأمد؟
في هذا الوقت لا تزال عمليات القصف المدفعي الأرضي والجوي والاشتباكات الدامية بين طرفي القتال في مدن العاصمة السودانية الثلاث، (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، محتدمة بصورة يومية مما أودى بحياة أكثر من 60 مدنياً خلال الأسبوع الماضي في أحياء محلية كرري شمال العاصمة السودانية.
وتدور في الوقت نفسه معارك طاحنة واشتباكات وقصف في مدن الفاشر ونيالا في إقليم دارفور ومناطق أخرى وسط السودان، فيما وصلت مسيرات "الدعم السريع" أجواء ولايات القضارف ونهر النيل، كما أسقط الجيش الأسبوع الماضي مسيرتين لـ "الدعم السريع" في سماء ولاية النيل الأبيض.
مع توسع رقعة الحرب وانتشار أنباء الانتهاكات تتصاعد ظاهرة مطالبة المواطنين بالتسليح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، وتتزايد مظاهر التسلح الذاتي على الصعيدين الجهوي والقبلي بصورة تغذيها روح الثأر والانتقام، لا سيما في الولايات التي شهدت انتهاكات مثل الجزيرة وأطراف النيل الأبيض وسنار نهر النيل والشمالية.
في أعقاب انتشار نبأ تصفية قوات الدعم السريع للملازم أول متقاعد محمد صديق المنتمي لقبيلة الجعليين في ولاية نهر النيل حشدت القبيلة شبابها وتوعدت بالرد.
ولاقت تصفية صديق اهتماماً لافتاً في الأوساط السودانية كونه كان مع مجموعة يقودها أول من انحاز للثوار مخالفاً التعليمات برفضه أوامر تفريق المتظاهرين المعتصمين أمام قيادة الجيش بالقوة خلال انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت حكم الرئيس البشير، لكنه بعد اندلاع الحرب أبدى استعداده للقتال إلى جانب الجيش على رغم فصله منه والقتال ضمن المستنفرين.
وأعلن مجلس شورى قبيلة الجعليين تشكيله منفرداً ما سماها بـ"كتيبة التطهير" لتنظيف كل الخلايا النائمة والمخبرين والمرشدين والمهربين في المزارع والأسواق والطوابير داخل مؤسسات الدولة المدنية والنظامية، مشدداً على أنه سيتعامل مع الوضع بطريقته الخاصة في شأن كل ما يستوجب التطهير والحسم الفوري.
وفي دارفور أعلنت 57 قبيلة داخل مدينة الفاشر الدخول في القتال من أجل حماية المدينة بصورة خاصة والبلاد على وجه العموم، ضد عدوان المليشيات المتمردة وأكد التكتل القبلي توافقه على نبذ العنصرية والجهوية.
كما طالبت مكونات اجتماعية أخرى من الإقليم في لقاء تفاكري بينها وهيئة شورى قبيلة الزغاوة في العاصمة البديلة بورتسودان، قائد الجيش بعدم الدخول في أي تفاوض مع الميليشيات إلا في إطار الاستسلام.
وقال أبو القاسم أتيم، ممثل مكونات دارفور إن المقاومة ضد الميليشيات باتت فرض عين باعتبار أن الحرب الحالية غريبة من نوعها لم يشهد العالم مثلها باستهدافها المواطن في ماله وعرضه.
وظلت قرى ولاية الجزيرة تتعرض لهجمات متكررة من قوات "الدعم السريع"، مما اضطر بعض القرى إلى التصدي لتلك الهجمات بالأسلحة النارية الذاتية والأسلحة البيضاء على رغم الخسائر البشرية الكبيرة وسطهم.
وتتهم عناصر الدعم السريع بارتكاب انتهاكات مروعة بحق المدنيين في إقليم دارفور إلى جانب عشرات القرى بعد سيطرتها على ولاية الجزيرة وسط السودان نهاية العام السابق، شملت الانتهاكات المتواصلة حتى اليوم القتل والاختطاف ونهب الممتلكات والتهجير القسري والترويع والعنف الجنسي، كما تلجأ تلك العناصر إلى تجنيد بعض شباب قرى الولاية بالقوة.
تحت تلك الظروف والضغوط تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، أمام اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بولاية الجزيرة استجابة لمطالب تسليح المدنيين في ولاية الجزيرة.