زيارة البرهان إلى الصين.. تجديد الشراكة الاستراتيجية وسط عواصف الحرب
على الرغم من تأخر زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى الصين، فإن الزيارة حققت أهدافها بتعزيز الثقة بين البلدين. تُعد العلاقة مع الصين حجر الزاوية في مسيرة التنمية المستدامة والإعمار في السودان، حيث لا يمكن تجاهل الدور الاستراتيجي لبكين في مجالات التنمية والدفاع والبناء الوطني.
أثارت زيارة البرهان للصين اهتماماً واسعاً على الصعيدين العالمي والمحلي، خاصةً في ظل التوترات الحالية والنزاع الدائر مع مليشيا الدعم السريع. كان لهذه الزيارة أهمية خاصة في تجديد العلاقات مع أحد أقوى الحلفاء الاستراتيجيين للسودان عبر عقود. كما أثارت تساؤلات المحللين حول الأهداف الحقيقية للزيارة، لا سيما في ظل الحرب المستمرة والمبادرات الدبلوماسية الفاشلة، مثل مبادرة جنيف التي أطلقتها الولايات المتحدة لتجاوز الموقف السوداني الرسمي الرافض لأي منبر تفاوضي جديد.
جاءت زيارة البرهان في توقيت حساس، حيث أعقبها برنامج أعمال مكثف، بدأه البرهان بزيارة لمقر مجموعة الشركات الصينية العاملة في مجال النفط "سي إن بي سي". هذه الزيارة تشير إلى رغبة واضحة في فتح أبواب الاستثمارات الصينية من جديد، وتعويض النشاطات التي تأثرت بالحرب والسياسات السابقة لحكومة الحرية والتغيير، التي كانت تميل نحو الغرب.
خلال مشاركته في المنتدى، استغل البرهان الفرصة لعرض قضية السودان على الدول الإفريقية، بعيداً عن المنابر التقليدية مثل الاتحاد الإفريقي والإيقاد، مطالباً بتصنيف مليشيا الدعم السريع كمجموعة إرهابية ودعم جهود القضاء عليها.
في لقائه مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تم التركيز على تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات متعددة، بما في ذلك الدفاع والصناعات الدفاعية. وشهد اللقاء توقيع عدة اتفاقيات مهمة في هذه المجالات.
تاريخ العلاقات الصينية السودانية
تعود العلاقات الدبلوماسية بين السودان والصين إلى عام 1959، خلال حكم الفريق إبراهيم عبود. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات تطورات ملحوظة، خاصة خلال حكم نظام الإنقاذ (1989-2019)، حيث ساعد التوافق السياسي بين البلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي.
مع بداية الألفية الثالثة، تطورت العلاقات إلى شراكة اقتصادية قوية بعد اكتشاف النفط في السودان، مما جعل السودان شريكاً رئيسياً للصين في إفريقيا. ورغم التحديات التي واجهها السودان بعد انفصال جنوب السودان، فقد استمرت الصين في تقديم الدعم، بما في ذلك بناء البنى التحتية والمستشفيات.
ومع مجيء التحالف المدني للحكم في 2019، شهدت العلاقات الصينية السودانية جموداً ملحوظاً، لكنه لم يؤثر بشكل كبير على حجم التجارة بين البلدين. ومع اندلاع النزاع في أبريل 2023، غادرت معظم الشركات الصينية السودان، لكن بكين حافظت على بعض الوجود من خلال تقديم المساعدات الطبية.
موقف الصين من الصراع السوداني
حافظت الصين على موقف دبلوماسي حذر منذ بداية النزاع، داعية إلى السلام والاستقرار واحترام سيادة السودان. الصين تجنبت التورط المباشر في الصراع، متبنية سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ولكن استمرار النزاع يهدد مصالح الصين في السودان، خاصةً مع تأثير الصراع على الإمدادات النفطية والبنية التحتية في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
مكاسب الزيارة
أسفرت زيارة البرهان عن توقيع مجموعة من الاتفاقيات التي شملت مجالات الطاقة النظيفة، وإنشاء الموانئ والمطارات، والتعاون في المشاريع الدفاعية. تم توقيع عقود كبيرة مع شركات صينية مثل "سي إن بي سي" و"بولى"، تتضمن تطوير البنية التحتية للطاقة وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى صفقات استراتيجية في المجال الدفاعي.
الزيارة تسلط الضوء على أهمية تعزيز العلاقات السودانية الصينية في ظل الأزمات الحالية، وتفتح المجال أمام السودان للاستفادة من الدعم الصيني في مواجهة التحديات الدولية والمحلية.