دول الساحل الأفريقي تطلق مشروع الجواز الموحد رغم التحديات الأمنية والاقتصادية
تسعى دول الساحل الأفريقي، التي تحكمها أنظمة ناتجة عن انقلابات عسكرية، وهي مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، إلى إصدار جواز سفر موحد ووثائق هوية موحدة بين هذه البلدان. وتعد هذه الخطوة جزءاً من استراتيجية لتعزيز حرية التنقل للبضائع والأشخاص داخل حدود هذه الدول، التي كانت قد انضوت سابقًا تحت لواء "كونفدرالية الساحل الجديد". وهذه الخطوة تأتي في سياق تحديها للعقوبات الإقليمية المفروضة عليها من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ودول أخرى.
وبالرغم من الطموحات الكبيرة التي تحملها هذه المبادرة، يرى مراقبون أن الطريق أمام دول مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، التي يقدر عدد سكانها بنحو 72 مليون نسمة، سيكون طويلاً ومعقدًا. وذلك بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة، لاسيما مع تصاعد أنشطة الجماعات المسلحة وارتفاع وتيرة العنف في بعض المناطق.
خطوة معقدة ومهمة
في تصريح خاص لـ"إم نيوز"، أكدت المحللة السياسية المتخصصة في شؤون الساحل الأفريقي، ميساء نواف عبد الخالق، أن "إصدار جواز سفر موحد يُعد خطوة مهمة في منطقة الساحل، لكن هناك العديد من العقبات التي تواجه تنفيذها، مثل الإرادة السياسية للدول المعنية، فضلاً عن ضرورة معالجة قضايا الإرهاب وتحسين الشفافية في مواجهة الفساد المستشري".
وأضافت عبد الخالق أن هذه المبادرة قد تشجع على تدفق الاستثمارات بين دول المنطقة، وتسهم في تسهيل حركة المواطنين والبضائع عبر الحدود، إلا أنها استبعدت تنفيذ هذا المشروع في القريب العاجل بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة والتهديدات الأمنية.
كما لفتت إلى أن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، مثل الذهب واليورانيوم، ما يفتح أمامها فرصًا كبيرة، لكن الوضع الأمني الصعب وفقدان الاستقرار قد يعوق تنفيذ مشاريع من هذا النوع في الوقت الراهن. ووصفت الحديث عن الجواز الموحد والوثائق الوطنية بأنه "نوع من البروباغندا السياسية" التي تهدف إلى جذب الدعم من دول أخرى.
طموحات مشروعة ولكن مشروطة بالأمن
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الأفريقية، إبراهيم كوناتي، أن إصدار جواز السفر الموحد والعمل على طرح عملة موحدة يشكلان طموحات مشروعة لدول المنطقة. لكنه شدد على أن تحقيق هذه الطموحات مرتبط بشكل رئيسي بإنهاء الفوضى الأمنية، فضلًا عن رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها.
وأوضح كوناتي أن "مشاريع مثل جواز السفر الموحد والعملات الموحدة، إن نجحت، يمكن أن تفتح أمام دول المنطقة فرصًا اقتصادية واعدة، خصوصًا في ظل الموارد الطبيعية التي تمتلكها". وفي ظل التماسك السياسي بين الأنظمة الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أشار إلى أن هناك فرصًا كبيرة لتحقيق هذه المشاريع، رغم التحديات الإقليمية والدولية التي قد تحاول إجهاضها.
واختتم بالقول إن المرحلة المقبلة قد تشهد تطورات كبيرة في هذا المجال، خاصة في ظل التقارب السياسي بين دول مثل السنغال وتشاد، التي بدأت في إظهار دعم متزايد لهذه الأنظمة في المنطقة.
تسعى دول الساحل الأفريقي إلى تحقيق تعاون أكبر في إطار مشاريع اقتصادية وسياسية طموحة، ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها على المستويين الأمني والاقتصادي، فإن المبادرة بإصدار جواز سفر موحد تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التكامل بين هذه الدول، على الرغم من المخاطر التي قد تعيق تنفيذها في المستقبل القريب.