خبير استراتيجي: هزائم الدعم السريع تمهد الطريق للجيش السوداني من ود مدني إلى الخرطوم

أكد الخبير الاستراتيجي والباحث في شئون الأمن القومي اللواء جمال طه، أن الجيش السوداني نجح في تحرير مدينة «ود مدني» عاصمة ولاية الجزيرة في 11 يناير 2025، بعد 13 شهرا من اجتياح قوات الدعم السريع لها. هذا الإنجاز جاء نتيجة لعمليتين عسكريتين بدأهما الجيش في أكتوبر 2024:
العملية الأولى: نفذتها القوة المشتركة المساندة للجيش لاستهداف المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، والسيطرة على قاعدتي «الزُرق» و«بئر مزّة» التابعتين للدعم السريع شمال دارفور، وتدمير ارتكازاته في مناطق الصحراء الكبرى، ما عطل طريق الإمداد البري من تشاد عبر الحدود.
العملية الثانية: شنتها قوات الجيش للسيطرة على منطقة «جبل مويا» الاستراتيجية بولاية سنار، مما مكنها من ربط القوات في ثلاث ولايات (سنار، النيل الأبيض، والقضارف) واستعادة العديد من المدن والبلدات.
وأضاف في تصريحات صحفية أن الهجوم في 8 يناير، على ود مدني من خمس محاور، ما قطع إمدادات الميليشيات المحاصرة. تحرير المدينة شكل نقطة تحول في تقدم الجيش بعد السيطرة على الجسور الاستراتيجية في الخرطوم أواخر سبتمبر 2024، ما مكنه من توسيع نطاق عملياته ودعم تطهير العاصمة، وفتح الطريق لعودة النازحين الذين كانوا قد لجأوا إلى ود مدني.
وبحلول أواخر سبتمبر 2024، فقدت قوات الدعم السريع معظم ولايتي سنار والجزيرة، إلى جانب أهداف استراتيجية في الخرطوم، وكذلك العديد من المواقع والمقاتلين في دارفور نتيجة لهجمات فعّالة من الجيش والقوات المتحالفة معه. هذا التراجع يعود لعدة أسباب رئيسية:
1. استراتيجية اصطياد الرؤوس: نجح الجيش في تنفيذ «استراتيجية اصطياد الرؤوس»، مستفيداً من معلومات ميدانية دقيقة حول مواقع قادة الدعم السريع، مدعومة بتعاون شعبي بسبب ممارساتهم الإجرامية. وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى مقتل العديد من القادة البارزين في الدعم السريع، مثل اللواء «مضوي حسين ضي النور» واللواء «عبد الله حسين».
2. التعصب القبائلي وفقدان الثقة: انشقاق بعض القادة البارزين مثل «أبو عاقله كيكل» وانضمامهم للجيش أسهم في تفكيك الدعم السريع. أحد الأمثلة البارزة هو القائد «رحمة الله المهدي»، الذي انشق بعد خلافات مع عبد الرحيم دقلو، مما أدى إلى مقتله في مسيرة استهدفت سيارته، مما يوضح تفكك الدعم السريع نتيجة للصراعات الداخلية والتوترات القبلية.
3. الانشقاقات في صفوف الدعم السريع، حيث قادت قوات «درع السودان» بقيادة المنشق «أبو عاقلة كيكل» الهجوم الرئيسي على مواقع الدعم السريع في ود مدني، مما فتح الطريق للجيش لدخول المدينة.
4. اعتمد الدعم السريع بشكل كبير على شخصيات القادة، الذين كانوا محور ولاء المقاتلين. ومع غيابهم، تفككت التشكيلات وانفصل العديد منهم، مثل انشقاق خمسة من المستشارين في أكتوبر 2024، وآيوب نهار مستشار حميدتي في يناير 2025، وانضمام أبو عاقلة كيكل إلى الجيش.
5. التكتيك العسكري للدعم السريع كان يعتمد على الموجات البشرية لإثارة الذعر، ولكن مع تعزيز الجيش لقواته، وتدريبها على حرب العصابات، وتزويدها بأسلحة حديثة وغطاء جوي، تغيرت موازين المعركة لصالح الجيش بعد فقدان الدعم السريع عنصر المفاجأة.
6. على الرغم من نجاح الدعم السريع في حشد المقاتلين قبليًا في دارفور، إلا أنه واجه رفضًا محليًا حادًا في ولايات الجزيرة وسنار، حيث كان المجتمع رافضًا له بعد تجاوزات الميليشيات ضد الأهالي والممتلكات.
7. تراجع الروح المعنوية للميليشيات بعد فرض عقوبات على حميدتي، ما دفع مستشار حميدتي «أيوب نهار» للاستقالة احتجاجًا على استمرار استهداف المدنيين، رغم تعامله مع تلك الجرائم في وقت سابق.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع ظهر بعد فترة من الاختفاء، محاولًا رفع معنويات قواته بعد سلسلة من الهزائم. اعترف بخسارة مدينة ود مدني، مبررًا ذلك بتفوق طيران الجيش، وأكد أن المعركة لم تُخسر بالكامل. رغم ذلك، أغفل الأهمية الاستراتيجية للمدينة بالنسبة للجيش، فهي تعد مركزًا حيويًا يربط الخرطوم بخمس ولايات وتحتضن "مشروع الجزيرة" الزراعي الضخم، ما يجعلها مركزًا اقتصاديًا رئيسيًا.
كان الدعم السريع يعتمد على ود مدني كمخزن للإمدادات العسكرية، وفقدانها سمح للجيش بتأمين خطوط إمداده وتعزيز تحركاته، مما سهل استعادة البلدات المجاورة ودعم قوات الخرطوم.