تحقيق أوكراني باستخدام ”كشف الكذب” بعد تسريب مسودة اتفاق أمريكي

في تطور لافت يعكس عمق التوتر القائم بين كييف وواشنطن، أمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جهاز الأمن الداخلي بفتح تحقيق عاجل يشمل استخدام اختبارات كشف الكذب، وذلك عقب تسريب تفاصيل حساسة من مسودة اتفاق اقتصادي استراتيجي قدمته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يتعلق باستغلال أصول أوكرانية ضمن صفقة معادن كبرى.
خلفية التسريب وتحركات كييف
بدأت الأزمة بعد أن كشف النائب المعارض، ياروسلاف جيليزنيك، في 26 مارس، عن تفاصيل ما قال إنها نسخة من مسودة اتفاق عرضته واشنطن، ونشرت صحيفة فاينانشيال تايمز الوثيقة كاملة في اليوم التالي. تضمن الاتفاق مقترحات أمريكية للاستفادة من البنية التحتية والأصول المعدنية والطاقة في أوكرانيا، دون تقديم ضمانات أمنية مقابلة، ما أثار موجة قلق واستياء في الأوساط الأوكرانية.
وبعد التسريب، شكك زيلينسكي علناً في هوية المسرب، وطلب فتح تحقيق شامل باستخدام اختبارات كشف الكذب على أفراد داخل عدة وزارات حساسة. رغم محدودية التفاصيل التي أفصح عنها المسؤولون الأوكرانيون، إلا أن استخدام هذه الأداة – المثيرة للجدل علمياً – يعكس حجم القلق داخل الحكومة من احتمال وجود اختراق داخلي أو تسريب مقصود.
الشق الاقتصادي صفقة المعادن وما وراءها
تأتي هذه الحادثة في سياق إعادة طرح إدارة ترامب لاتفاق معدل مع كييف، يسعى إلى تمكين الشركات الأمريكية من الاستثمار الواسع في قطاعي المعادن والطاقة الأوكرانيين. ويُعد هذا الاتفاق توسعاً كبيراً مقارنة بالإطار الأول الذي تم التوصل إليه في فبراير، قبل أن يتم التراجع عنه عقب خلاف علني بين زيلينسكي وترامب ونائبه جي دي فانس خلال زيارة رسمية للبيت الأبيض.
وبحسب الوثيقة المسربة، يطرح الاتفاق إنشاء مجلس إشرافي مشترك لإدارة الإيرادات الناتجة عن استثمارات النفط والغاز والمعادن، وهو ما تعتبره كييف تهديداً مباشراً للسيادة الاقتصادية، وقد يعطل طموحاتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي.
غياب الضمانات الأمنية: نقطة خلاف محورية
الجانب الأكثر حساسية في العرض الأمريكي المعدل هو غياب أي التزامات أمنية واضحة، رغم إلحاح كييف على أن أي اتفاق اقتصادي استراتيجي لا يمكن فصله عن البعد الأمني، خاصة في ظل استمرار الحرب مع روسيا. وترى واشنطن، بحسب تصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت، أن مجرد الاستثمار الأمريكي في القطاعات الحيوية يشكل بحد ذاته "رادعاً كافياً" للهجمات الروسية، وهي مقاربة ترفضها أوكرانيا بشدة، نظراً لافتقارها إلى ضمانات دفاعية ملموسة.
التصعيد العلني بين ترامب وزيلينسكي
في مؤشر على تعمق الخلاف، اتهم ترامب الرئيس الأوكراني بمحاولة التهرب من توقيع الاتفاق، محذراً من "مشكلات كبيرة" إذا لم يتم التوقيع قريباً، في ما يمكن اعتباره ضغوطاً سياسية علنية لإجبار كييف على القبول بالشروط الأمريكية. وردّ زيلينسكي بأن بلاده لا يمكن أن تقبل بأي ترتيب يضعف فرص انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن المفاوضين الأوكرانيين يعملون على تقديم تعديلات للعرض قبل الزيارة المقبلة إلى واشنطن.
أزمة الثقة الداخلية: لجوء الرئاسة الأوكرانية إلى اختبارات كشف الكذب يعكس حالة من الشك المتزايد داخل مفاصل الدولة، ويؤشر إلى مخاوف من اختراق سياسي قد يستغل لصالح قوى خارجية.
صفقة اقتصادية أم ابتزاز سياسي؟: يرى مراقبون أن واشنطن تسعى لاستثمار الوضع الأمني الهش في أوكرانيا لتمرير اتفاقات اقتصادية غير متكافئة، تحت شعار "المساعدة مقابل الموارد"، في غياب ضمانات أمنية واضحة.
الشق الأوروبي في المعادلة: أوكرانيا تنظر إلى كل اتفاق دولي من زاوية تأثيره على طموحها الاستراتيجي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها أقل قابلية لقبول الترتيبات التي قد تُفسَّر كخضوع اقتصادي خارجي.
مستقبل العلاقات الثنائية: استمرار الضغط الأمريكي، خاصة عبر شخصيات مثيرة للجدل مثل ترامب، قد يعمّق الشرخ بين كييف وواشنطن، ما لم يتم التوصل إلى تسوية توازن بين الاستثمارات المطلوبة والضمانات السياسية والأمنية التي تصر عليها أوكرانيا.