دعوات أوروبية لوضع ”خارطة طريق” تحسبًا لانسحاب أمريكي محتمل من القارة

أطلق وزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانين تحذيرًا استراتيجيًا واضحًا حول مستقبل الأمن الأوروبي، داعيًا إلى ضرورة إعداد "خارطة طريق واضحة" بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تحسبًا لأي تحول في السياسة الدفاعية الأميركية تجاه آسيا. وجاءت تصريحات هاكانين في مقابلة هاتفية مع مجلة بوليتيكو عقب اجتماع غير رسمي لوزراء الدفاع الأوروبيين في وارسو، حيث أكد أن وجود خطة مشتركة أمر بالغ الأهمية في حال قررت الولايات المتحدة تقليص حضورها العسكري في أوروبا لصالح منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتصاعد التوترات مع الصين.
تأتي هذه التصريحات في وقت يتزايد فيه القلق الأوروبي بشأن اتساع الفجوة في القدرات الدفاعية بين أوروبا والولايات المتحدة، خاصة أن أوروبا – كما أشار هاكانين – "ضعيفة للغاية بدون القدرات الأميركية". وتشارك فنلندا، التي أصبحت عضوًا كاملًا في "الناتو" ولديها حدود برية تمتد 1340 كيلومترًا مع روسيا، هذا القلق بدرجة أكبر نظرًا لموقعها الجغرافي وحساسيتها الأمنية المباشرة.
هاكانين أبدى تفهمه لضغوط واشنطن، خصوصًا في ظل التصعيد الصيني في منطقة المحيطين، إلا أنه حذّر من أن انسحابًا غير منسق قد يفتح ثغرات تستغلها روسيا لزعزعة أمن القارة، داعيًا إلى ضرورة توافق أي تحول أميركي استراتيجي مع خطط الاتحاد الأوروبي لتعزيز دفاعاته.
في هذا السياق، رحّب هاكانين بمقترحات المفوضية الأوروبية الهادفة لتعزيز البنية الدفاعية للاتحاد عبر تسهيلات مالية تشمل تخفيف قواعد الإنفاق وزيادة الاستثمارات العسكرية، والتي قد تصل إلى 800 مليار يورو بحلول 2030، منها 150 مليار في شكل قروض دفاعية. هذه الخطط تمثل محاولة حقيقية لبناء استقلالية دفاعية أوروبية تدريجية عن الدعم الأميركي.
دعوة هاكانين تتقاطع مع تصريحات مماثلة من وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الذي طالب سابقًا بوضع "خارطة طريق لتقاسم الأعباء" في حال تقليص الوجود الأميركي. ورغم هذه المخاوف، أكدت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في بروكسل التزام بلاده بالناتو ورفضه لما أسماه "الهيستيريا" الأوروبية، مشددًا على بقاء الولايات المتحدة داخل الحلف، لكن مع إعادة ترتيب الأولويات.
ورغم تطمينات قادة الناتو – وعلى رأسهم الأمين العام مارك روته – بأن أي تحولات أميركية ستكون "منسقة"، فإن التحركات الجارية داخل الاتحاد الأوروبي تعكس قلقًا حقيقيًا من اعتماد مفرط على المظلة الأميركية، في وقت يهدد فيه صعود اليمين الأميركي، ممثلًا في دونالد ترامب، مستقبل التحالفات التقليدية.
وتبقى الولايات المتحدة حتى الآن العمود الفقري للدفاع الأوروبي، ليس فقط بسبب إنفاقها العسكري الهائل، ولكن لدورها المحوري في الردع النووي والقدرات اللوجستية والقتالية التي لا تزال تتفوق على أي قوة أوروبية موحدة.
تشير مواقف هاكانين وغيره من المسؤولين الأوروبيين إلى إدراك متزايد لضرورة تطوير استقلالية استراتيجية داخل القارة الأوروبية، لا لإقصاء الولايات المتحدة، بل لتأمين بديل موثوق في حال تغيرت الأولويات الأميركية فجأة. في ظل التهديدات الروسية المستمرة واحتمال اتساع الفجوة عبر الأطلسي، أصبحت "خارطة الطريق" المقترحة ليس فقط مطلبًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية مصيرية لأوروبا.