بين ”هدنة هشة” و”تحالفات استراتيجية”.. أوروبا والصين في مواجهة تصاعد الحرب التجارية الأمريكية

في خضم تصاعد الحرب التجارية التي تقودها واشنطن، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكوكه إزاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية المفروضة على دول عدّة لمدة 90 يوماً، واصفاً إياه بأنه لا يرقى إلى أكثر من "توقف هش" لا يُزيل الغموض الذي يخيّم على العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي.
وفي منشور على منصة "إكس"، أوضح ماكرون أن التجميد المؤقت لا يلغي جوهر الأزمة، إذ لا تزال الرسوم الجمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات و10% على سائر المنتجات قائمة، وهي تمثّل عبئًا بقيمة 52 مليار يورو على الاقتصاد الأوروبي. كما أشار إلى أن هذه "الهدنة" المؤقتة تعني 90 يوماً من اللايقين للشركات على جانبي المحيط الأطلسي.
وفي موقف يعكس رغبة في إعطاء الدبلوماسية فرصة، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي قرر بدوره تعليق الإجراءات المضادة التي كان يستعد لاتخاذها ردًا على الرسوم الأمريكية، مع تأكيده الحفاظ على وحدته وتماسكه في مواجهة الضغوط. جاء هذا القرار رغم الدعم الواسع الذي حظيت به الإجراءات المضادة بين الدول الأعضاء.
هذه المعادلة تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتفادي التصعيد الفوري، لكنه يحتفظ بأوراقه التفاوضية في حال تعثرت المحادثات، ما يجعل الموقف الأوروبي أكثر براغماتية، دون أن يكون خاليًا من التحفّظات العميقة.
الصين ترفض المحور الأمريكي
وفي موازاة التوتر الأمريكي-الأوروبي، دخلت الصين على الخط برسالة قوية ومباشرة. فقد دعا الرئيس الصيني شي جين بينج الاتحاد الأوروبي إلى التنسيق مع بكين لمواجهة ما أسماه "التنمر الأحادي" في النظام التجاري الدولي، في إشارة صريحة إلى السياسات الأمريكية. هذه الدعوة تعكس محاولة صينية لتشكيل تحالف اقتصادي-سياسي مضاد للهيمنة الأمريكية، خاصة في ظل تصعيد متبادل في الرسوم الجمركية بين بكين وواشنطن.
وردًا على التصعيد الأمريكي، أعلنت وزارة المالية الصينية عن رفع الرسوم الإضافية على السلع الأمريكية إلى 125%، ما يزيد من تعقيد المشهد التجاري العالمي ويدفع نحو إعادة اصطفاف في الشراكات الاقتصادية.
شراكة صينية أوروبية.. ما بين الطاقة والتكنولوجيا
خلال لقائه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أكد شي جين بينج أن الصين والاتحاد الأوروبي يمثلان دعامتين أساسيتين للتجارة الحرة والعولمة الاقتصادية. ودعا إلى استغلال مجالات التعاون في الطاقة الجديدة، والصناعات المتقدمة، والمدن الذكية، بما يعزز من مصالح الطرفين ويدعم النظام التجاري العالمي في مواجهة التوجهات الحمائية.
شي شدّد أيضًا على أن موقف بلاده ليس فقط لحماية مصالحها، بل لحماية العدالة الدولية والنظام القائم على القواعد، ما يعكس طموح الصين للعب دور أكثر فعالية في ضبط إيقاع الاقتصاد العالمي بعيداً عن الإملاءات الأمريكية.
ملامح خريطة اقتصادية جديدة
يبدو أن الساحة الاقتصادية العالمية تتجه نحو مزيد من الاستقطاب، حيث تتقاطع حسابات الربح والخسارة مع رهانات النفوذ السياسي. ففي حين تتخذ أوروبا موقفًا حذرًا يسعى لتفادي الاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة، تُلوّح الصين ببناء جبهة تجارية دولية تتحدى الغطرسة الاقتصادية الأمريكية.
ومن المرتقب أن تلتقي قيادات الاتحاد الأوروبي مع الرئيس الصيني خلال قمة مرتقبة في يوليو، وهي قمة قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة في العلاقات الدولية، في ظل اضطراب قواعد التجارة والانزلاق نحو ما يشبه "حربًا باردة اقتصادية" جديدة.