التضحية بالأسرى الإسرائيليين وتجويع الفلسطنيين..
تسريب استخباراتي خطير يكشف استخدام نتنياهو «إجراء هانيبال» في غزة

تسابقت وسائل إعلام مقربة من حكومة الاحتلال، ان الأخيرة ستقبل على استخدام سياسات مشابهة في الماضي، مثل "إجراء هانيبال"، الذي يسمح للقوات العسكرية الإسرائيلية بقتل جنودها المحتجزين لدى العدو لمنع استخدامهم كورقة ضغط.
في عام 2014، خلال الحرب على غزة، تم تنفيذ "إجراء هانيبال" في مدينة رفح الفلسطينية، ما أدى إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين، كذلك قتل الجندي الإسرائيلي هدار جولدين قُتل أيضًا خلال العملية، لم يكن هناك اهتمام كبير بهذه القضية حينها، ولم يتم فتح تحقيقات جادة بشأنها.
وفي 7 أكتوبر 2023، كان هناك نقاش علني حول ما إذا كان يجب تنفيذ "إجراء هانيبال" على مستوى واسع، وكتب الصحفي بن كاسبيت متسائلًا: "هل سيتصرف الجيش الإسرائيلي ويداه مقيدتان خلف ظهره، أم أن هناك من سيتخذ قرارًا بلا قيود؟".
وفي الواقع، يبدو أن القرار قد اتُخذ، حيث يُعتقد أن عددًا من المحتجزين الإسرائيليين قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي، الذي لم يصل في الوقت المناسب لإنقاذهم، لكنه وصل في الوقت المناسب لعدم ترك أي أثر لهم.
ويبدو ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد اتخذ قرارًا بتجويع قطاع غزة كجزء من استراتيجيته الحربية، وهو ما كان له تأثير مباشر على مصير المحتجزين، فبينما كان الهدف المعلن هو الضغط على حماس، إلا أن الهدف غير المعلن كان تقليل عدد المحتجزين المتبقين، وهو ما اعتُبر شكلًا من أشكال التطهير العرقي الممنهج.
ولم تكن هناك معارضة حقيقية لهذا القرار داخل إسرائيل، باستثناء بعض الأصوات التي اعتبرته غير فعال من الناحية العملية. كان التركيز منصبًا على النجاح العسكري، وليس على الكلفة الإنسانية للرهائن المحتجزين لدى حماس.
ويكشف تقرير استخباراتي، أن تعامل إسرائيل مع قضية المحتجزين هو انعكاس دقيق لحالة المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث يظهر مدى انعدام التعاطف تجاه الفلسطينيين، فعلى الرغم من معرفة الجميع بما يحدث في السجون الإسرائيلية، لم يطالب أحد بوقف تعذيب الأسرى الفلسطينيين، حتى بعد معرفة ما يجري للرهائن في غزة.
وبرز اسم إيتمار بن جفير كواحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل، بصفته وزيرًا للأمن القومي، وكان له دور رئيسي في إدارة مصلحة السجون والتعامل مع الأسرى الفلسطينيين، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على مصير المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
وتكشف التقارير أن "بن جفير" كان على علم بأن سوء معاملة الأسرى الفلسطينيين قد يؤدي إلى انتقام مباشر ضد المحتجزين لدى حركة حماس، وعلى الرغم من التحذيرات التي تلقاها من المسؤولين الأمنيين، لم يتراجع عن سياسته المتشددة، بل مضى قدمًا في تنفيذها، وسط صمت رسمي وشعبي يثير تساؤلات حول المسؤولية الجماعية للإسرائيليين تجاه ما حدث.
وفي يوليو الماضي، كشفت صحيفة "التليجراف" البريطانية عن أن حماس أرسلت تحذيرًا واضحًا إلى بن جفير، تضمن مقطع فيديو يُظهر تعرض المحتجزين الإسرائيليين في غزة للتعذيب، كرد فعل على الانتهاكات التي يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، ولم يُبدِ بن جفير أي اهتمام بهذه التحذيرات، بل قيل إنه ابتسم وأكد استمراره في النهج ذاته.
وحسب الإعلام الإسرائيلي،، فقد نفى بن جفير معرفته بالأمر، لكن الحقيقة أن المعلومات كانت متاحة للجميع، ومع ذلك لم يكن هناك رد فعل قوي من الحكومة أو الرأي العام الإسرائيلي، فالمعادلة كانت واضحة: "لدينا محتجزون في غزة، حياتهم في خطر، لكن لا يجوز إظهار أي تعاطف مع الأسرى الفلسطينيين"، ما يعكس التوجه العام في إسرائيل نحو إنكار معاناة الطرف الآخر.
ولم تتناول وسائل الإعلام الإسرائيلية قضية تعذيب الأسرى الفلسطينيين إلا بعد أن أصبح لها تأثير مباشر على الإسرائيليين أنفسهم، ولم يتم التساؤل عن عدد الأسرى الذين لقوا حتفهم في السجون، أو عن الظروف التي يُحتجزون فيها، بل كان التركيز على التأثيرات السياسية والأمنية للقضية.
العديد من الصحف والمعلّقين الإسرائيليين الذين ناقشوا قضية تجويع المحتجزين الإسرائيليين لم يهتموا بطرح التساؤل حول الظروف التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون. حتى عندما ظهرت مقاطع فيديو للسجناء المفرج عنهم وهم في حالة جسدية سيئة، تم التعامل معها ببرود، بل وافتخر بعض اليمينيين المتطرفين بتسمية هذه السياسة بـ"حمية أبو حطوب"، في إشارة ساخرة إلى الوضع المزري الذي يعاني منه الأسرى.
ويُشير التقرير إلى أن إيتمار بن جفير لم يكن المسؤول الوحيد عن الانتهاكات التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون، فالقوات العسكرية الإسرائيلية هي التي نفّذت عمليات التعذيب الميداني.. وفقًا لشهادات متعددة، فإن الجنود في المعتقلات مارسوا العنف الجسدي على الأسرى، بينما التزم رئيس الأركان الإسرائيلي الصمت حيال هذه الانتهاكات.
ولم يكن القضاء الإسرائيلي جادًا في محاسبة المتورطين في هذه الجرائم، حيث تم التحقيق مع خمسة جنود فقط، وتم اعتبار القضية "معالجة" بما يكفي لتهدئة الرأي العام. وهذا يعكس سياسة إسرائيلية متكررة، حيث يتم التستر على مثل هذه الجرائم أو التعامل معها كحوادث فردية لا تعكس نهجًا مؤسسيًا.