قمة القاهرة.. شراكة مصرية فرنسية ورسالة واضحة ضد تهجير الفلسطينيين

في إطار التحركات الدبلوماسية المكثفة إزاء تصاعد الأزمة في قطاع غزة، شهدت القاهرة، الإثنين، توقيع عدة اتفاقيات استراتيجية بين مصر وفرنسا خلال زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث استقبله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية.
ووفقًا للتلفزيون الرسمي المصري، وقّع الرئيسان مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تغطي مجالات النقل، والصحة، والتعليم، والطاقة المتجددة، في خطوة تؤكد تعزيز الشراكة الثنائية، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين.
زيارة تحمل بعداً استراتيجياً وأهدافاً سياسية
ورغم الطابع الاقتصادي للتوقيعات، إلا أن الزيارة الفرنسية للقاهرة لم تخلُ من دلالات سياسية واضحة، حيث أعلن الرئيس ماكرون، خلال مؤتمر صحفي أعقب توقيع الاتفاقيات، معارضة بلاده الصريحة لتهجير سكان قطاع غزة، في رسالة مباشرة تعكس رفض باريس للمقترحات الأميركية التي تُلمّح إلى إعادة توطين سكان القطاع في دول مجاورة مثل مصر والأردن.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع، بالتزامن مع استئناف إسرائيل هجماتها منذ منتصف مارس/ آذار، عقب هدنة هشة استمرت نحو شهرين. وأدان ماكرون هذا التصعيد واصفًا إياه بـ"النكسة الخطيرة"، وأكّد سعي بلاده للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني في غزة "ملحّ وبالغ الخطورة".
دعم للخطة العربية في مواجهة الرؤية الأميركية
تأتي زيارة ماكرون للقاهرة بالتوازي مع جهود فرنسية لدعم الخطة العربية الخاصة بإعادة إعمار قطاع غزة، والتي صيغت بقيادة مصرية، وتقوم على مبدأ رفض التهجير القسري، وضرورة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع. وقد أُقرت هذه الخطة خلال قمة عربية عُقدت في القاهرة في الرابع من مارس، بمشاركة قادة عرب، بينهم ملك الأردن عبد الله الثاني.
وعلى خلاف مقترح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي يدعو إلى تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" عبر استثمارات أميركية مشروطة بإعادة توطين السكان، تتمسك القاهرة وعمّان بموقف ثابت يقوم على أن الحل لا يكون إلا عبر التمكين السياسي للفلسطينيين داخل أراضيهم، وليس عبر إخراجهم منها.
تحالفات دبلوماسية جديدة في وجه التصعيد
وفي إطار تعميق هذا الموقف، من المقرر أن يُعقد لقاء ثلاثي يجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وملك الأردن عبد الله الثاني، لبحث آخر تطورات الأوضاع في غزة، وسبل دعم الجهود الإنسانية والسياسية لاحتواء التصعيد الإسرائيلي المتجدد.
تسعى باريس من خلال هذا الحراك إلى تثبيت دورها كوسيط دولي فاعل، والتأكيد على التزامها بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وبحقوق الفلسطينيين، بالتوازي مع تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع القاهرة التي تُعد بوابة استراتيجية في الإقليم، وشريكاً محورياً في ملفات الأمن والهجرة والطاقة.
وجاءت زيارة ماكرون لمصر في لحظة مفصلية، تحمل في طياتها توازنًا بين البُعد الإنساني والسياسي والاقتصادي. وبينما تؤكد الاتفاقيات الثنائية على متانة العلاقة بين البلدين، تعكس المواقف المعلنة رفضًا أوروبيًا متزايدًا لخطط التهجير القسري في غزة، ودعمًا واضحًا للمبادرة العربية التي تتزعمها مصر، في وقت يتطلب فيه الوضع الإنساني في القطاع أقصى درجات التحرك الدولي.