اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

زيارة العريش.. بين رسائل التضامن وتحذيرات التهجير.. السيسي وماكرون على خط الأزمة الإنسانية في غزة

ماكرون والسيسي
ماكرون والسيسي

في مشهد يعكس تداخل الأبعاد الإنسانية والسياسية، شهدت مدينة العريش المصرية زيارة غير اعتيادية للرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، جاءت في توقيت بالغ الحساسية، وسط تصاعد الغضب الشعبي من مخاوف تهجير الفلسطينيين، وتعثر الجهود الدولية لوقف الحرب المستعرة في غزة.

زيارة إنسانية بوجه سياسي

من حيث الشكل، اتخذت الزيارة طابعًا إنسانيًا، حيث شملت تفقد المصابين الفلسطينيين في مستشفى العريش العام، والاطلاع على المساعدات الإغاثية التي تنسقها منظمات دولية بالشراكة مع الهلال الأحمر المصري. إلا أن السياق الأوسع يجعل من هذه الجولة *رسالة سياسية بامتياز*.

ماكرون لم يكتف بلقاء المصابين، بل التقى العاملين في المنظمات الإغاثية، في خطوة بدت وكأنها *إعادة تأكيد على التزام فرنسا بالمساعدة الإنسانية*، لكن في خلفيتها محاولة أوروبية للتموضع كوسيط "أخلاقي" في ملف غزة، مقابل التراجع الأميركي النسبي أمام تصاعد التصعيد.

احتجاجات ضد التهجير

في تواقت لافت، خرجت في العريش وقفة احتجاجية شارك فيها آلاف المصريين، رافضين بشدة *فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم نحو سيناء*. هذا المشهد الشعبي، المتناغم مع التصريحات الرسمية المصرية الرافضة للتهجير، يبعث برسالة داخلية وخارجية بأن القضية الفلسطينية ما زالت في عمق الوعي المصري، وأن الدولة تواجه تحديًا مزدوجًا: إدارة الضغوط الدولية دون التفريط في الثوابت الوطنية.

تحذير مزدوج.. لا للضم ولا للتهجير

في اليوم السابق للزيارة، شدد السيسي وماكرون في مؤتمر مشترك على رفضهم الكامل لفكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكذلك لأي محاولات لضم القطاع أو الضفة الغربية من قبل إسرائيل. موقف بدا وكأنه *إعادة تأكيد للموقف العربي التقليدي، ولكن في ظرف استثنائي* باتت فيه هذه "الثوابت" مهددة فعليًا على الأرض.

تصريحات الزعيمين ترافقت مع توقيع اتفاق يرفع العلاقات المصرية الفرنسية إلى "شراكة استراتيجية"، وهو ما يمكن قراءته كمقابل سياسي فرنسي لدعم مصر في ملف غزة، وربما كجسر لتوسيع دور باريس في ملفات الشرق الأوسط، لا سيما في ظل تعثر الدور الأميركي.

تحالفات رباعية جديدة على خط غزة

في كواليس القمة الثلاثية بين مصر وفرنسا والأردن، جرى اتصال هاتفي مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الاتصال الذي ناقش سبل وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات، يعكس حراكًا دبلوماسيًا مركبًا، يُراد منه الضغط الجماعي على الأطراف الفاعلة في الأزمة، وخصوصًا إسرائيل.

كما ناقش القادة مع ترامب أهمية "تهيئة الأفق السياسي" و"تنفيذ حل الدولتين"، في إشارة إلى أن *التحركات الحالية ليست فقط إغاثية، بل تهدف لإعادة بعث مسار سياسي غائب منذ سنوات*.

مصر بين ضغوط الميدان ومهام الوساطة

تلعب القاهرة اليوم واحدًا من أكثر أدوارها حساسية في الملف الفلسطيني. فمن جهة، تضغط إسرائيل ودول غربية لتوسيع دور مصر في احتواء الأزمة عبر استقبال المصابين وربما المهجرين، ومن جهة أخرى، يفرض الرأي العام المصري والعربي سقفًا وطنيًا وسياسيًا لا يمكن تجاوزه.

زيارة العريش، بهذا المعنى، ليست مجرد محطة تفقدية للمصابين، بل هي علامة فارقة في اختبار قدرة الدولة المصرية على المناورة السياسية وسط حقول الألغام الجيوسياسية الحالية.

زيارة السيسي وماكرون للعريش حملت أكثر من رسالة: تعاطف إنساني مع ضحايا غزة، دعم سياسي لحل الدولتين، وتأكيد على أن التهجير لن يكون خيارًا مقبولًا لا شعبيًا ولا رسميًا. لكنها أيضًا تضع الجميع أمام سؤال مفتوح: إلى أي مدى يمكن لهذه الرسائل أن توقف قطار العنف الإسرائيلي، وتعيد ترتيب الأولويات على طاولة السياسة الدولية؟

موضوعات متعلقة