طريق ”إسرائيل” المسدود
برغم مضي حرب "غزة" في شهرها الثالث، وتضاعف وتيرة مجازر جيش الاحتلال للفلسطينيين المدنيين العزل، وقفز أعداد الضحايا على نحو فلكي مرعب، فإن طريق "إسرائيل" إلى تحقيق نصر أو شبهة نصر عسكري يبدو مسدودا، ولن يستطيع قادة العدو على الأغلب مواصلة حربهم كما يعلنون، ولا الاستمرار بالقصف الوحشي المجنون لسنوات ولا لشهور، ولا الاقتراب خطوة من بلوغ الأهداف المعلنة، في محو "حماس" وخلعها واستعادة أسراهم لدى المقاومة بالقوة المسلحة، برغم الدعم العسكري اللانهائي من واشنطن، والمشاركة الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية المعلنة المباشرة في التخطيط والتنفيذ الميداني للعمليات، وربما تنتهي حروب "إسرائيل" وأخواتها وحاضناتها إلى خيبة سريعة كاملة الأوصاف.
وقد تكون من أسباب كثيرة لتوقع فشل الحرب الهمجية، لكن أهم الأسباب فيما نظن، والتي تتقدم ما عداها، هي عقيدة قتال المقاومين في "غزة"، وإبداعاتهم المذهلة في عمليات تدمير آليات العدو العسكرية، وإرسال أكبر عدد من جنوده وضباطه إلى الجحيم، وهو ما ظهر مع تحول التوغلات البرية من مدينة "غزة" وجوارها في شمال القطاع إلى "دير البلح" و "خان يونس" بالذات، وهو ما وضع جنرالات العدو في حال بائس يائس، فهم ضائعون في المتاهة، يحدثونك عن مرحلة ثانية وثالثة، بينما لم ينتهوا بعد من المرحلة الأولى في الغزو البري، فلم تستطع قواتهم تحقيق تقدم وسيطرة ثابتة في أغلب نواحي مدينة "غزة" وجوارها، ولاتزال دباباتهم وناقلات جندهم تصفع كالذباب في مدينة "غزة" ومخيماتها وجوارها، ولا تزال قواتهم تسقط في الكمائن عند فتحات الأنفاق، وفي دوائر العبوات الناسفة، ولا تزال المقاومة على شراستها الفتاكة في "جحر الديك" و "بيت لاهيا" و "حي الشجاعية" و "حي الشيخ رضوان" و "مخيم جباليا" وغيره، برغم لجوء جيش العدو إلى سحب كثير من قواته المتوغلة غرب مدينة "غزة"، والفشل الذي لاحقهم في كل شبر دخلوه أو اقتربوا منه، ولا تزال المقاومة بأغلب قوتها حاضرة في الاشتباكات اليومية الضارية، وقد زادت ضراوتها مع نقل العدو لثقل قواته إلى "خان يونس"، فقد انتقلت المقاومة من "الدفاع المرن" في مدينة "غزة" إلى التصدي المباشر في "خان يونس" وما حولها، وهو ما بدا في ارتفاع معدلات الخسائر البشرية في صفوف جنود العدو وضباطه الكبار بالذات، وبما اضطر العدو إلى الاعتراف بسقوط عشرات من قوات نخبته، يضاف إليهم كل يوم وكل ساعة، في استنزاف متصل لطاقة العدو البشرية، فقد لا تهتم "إسرائيل" كثيرا بما تفقده من معدات عسكرية، يجرى تعويضها فورا بجسور الدعم الجوى الأمريكية، التي نقلت عشرة آلاف طن من الأسلحة الأمريكية إلى اليوم، يصرخ "بنيامين نتنياهو" رئيس وزراء العدو مطالبا بمضاعفتها، ويقول إنه يطالب واشنطن بثلاثة أشياء، هي الذخيرة والذخيرة والذخيرة، فلدى جيش الاحتلال جوع حارق إلى الذخائر، وإلى الذخائر الموجهة بالذات، وقد شن العدو أكثر من عشرة آلاف غارة جوية على "غزة" إلى اليوم، ويلقى ألف طن متفجرات فوق "غزة" كل يوم، إضافة إلى قصف متصل من البر والبحر، استهلك فيه ملايين القنابل العادية، ومئات الآلاف من القنابل الأمريكية الموجهة من كافة الأنواع والأجيال الأكثر تطورا، بينها أحدث القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات، القادرة على الوصول لأعماق تحت الأرض تزيد على الثلاثين مترا، لكن كل هذه القنابل الضخمة، التي يفوق بعضها زنة الألفي رطلا، تستخدمها الطائرات "الإسرائيلية" الأمريكية لدك المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ولم تصب واحدة منها شيئا من مدن أنفاق "حماس" حتى الآن، فالعدو لم يتوصل بعد لمعرفة مفيدة عسكري عن خرائط أنفاق "حماس" بالغة التعقيد، برغم تكثيف المراقبة الجوية والأرضية عبر شبكات الجواسيس، أو عبر "الأواكس" الأمريكية، وعبر الأقمار الصناعية وطلعات الاستطلاع الجوى الأمريكي والبريطاني، وما من طريق سالك لهدم الأنفاق وقتل من فيها، برغم الإعلان عن خطط وصفت بالشيطانية، من نوع استخدام قنابل الدخان وقنابل الرغاوي وغاز الأعصاب و "الروبوتات" المتقدمة، أو تجهيز مضخات هائلة واردة من أمريكا ومن ألمانيا بالذات، بهدف جلب مياه البحر المتوسط لإغراق الأنفاق، وكلها خطط أقرب إلى "الخيال العلمي" كما وصفها مسئول عسكري "إسرائيلي"، فهي غير قابلة للتنفيذ، ولا للنجاح حتى لو جرى تجريبها، وعلى مدى شهرين مضيا منذ هجوم السابع من أكتوبر المزلزل، بدت عيون إسرائيل وأخواتها عمياء تماما، وظهر فشلهم الاستخباري المريع، برغم الإمكانات التكنولوجية الأعلى في الدنيا كلها، ونجحت قيادات المقاومة في حروب الخداع والتضليل العسكري، ولا يزال جنود الله من رجال المقاومة، يواصلون صنع بطولات كالمعجزات، ويخرجون لقتال العدو كالأشباح في ظلال الملائكة، ويبدون شجاعة بلا نظير وإقداما أسطوريا، وبوسائل قتال ناسفة صنعت ذاتيا في القطاع المحاصر منذ نحو العقدين، وبرغم انعدام التكافؤ المادي الحسابي في وسائل الحرب وأدواتها، ترجح كفة المقاومة في معارك الميدان وجها لوجه، وتهزم قوات العدو في كل اشتباك من المسافة صفرا، وتعترف دوائر العدو العسكرية بتفوق "حماس" في المعلومات والقتال والمعرفة بالأرض، وبما يصيب جيش الاحتلال بحالة من الذعر المتفاقم، فهم يواجهون رجالا لا يهابون الموت، بل يطلبون الشهادة كأغلى الأماني، ولا تؤثر في تنظيم قواتهم أي خسائر بشرية، ولا يعنى استشهاد قادتهم خوفا من فوضى، فكل قائد يرحل في معركة، يحل محله على الفور قادة بدلاء، وبذات الكفاءة والمقدرة والتدريب المميز، وهنا معضلة "إسرائيل" العظمى، التي لا تخشى شيئا أكثر من الخسائر البشرية العسكرية، وقد اعترف العدو بمقتل المئات من جنوده وضباطه في حرب الشهرين، وأخفى إلى حين الأرقام الحقيقية لقتلاه وجرحاه، واعترف مع الهدنة الموقوتة بجرح ألف من ضباطه وجنوده في معارك مدينة "غزة" وجوارها، ثم لجأ مجددا إلى حجب الأرقام الحقيقية بعد استئناف الحرب باتجاه "خان يونس"، التي يتكبد في معاركه...