كيف تعاملت الصومال مع الإرهاب الإلكتروني لحركة الشباب؟
على مدار السنوات العشر الماضية انتقلت معركة الجماعات الإرهابية في الهيمنة على العقول من ساحات المساجد إلى الفضاء الرقمي، لما يتمتع به من مقومات وخصوصية، وضعته على قائمة الأساليب غير التقليدية في البلورة الفكرية، والانخراط التنظيمي، وصناعة القوالب المسلحة.
عوامل كثيرة أسهمت في استغلال الجماعات الإرهابية لمنصات «الإعلام الرقمي»، مثل «التليجرام» و«الفيس بوك»، وغيرهما، في تشكيل هياكلها التنظيمية، ونشر ضلالاتها الفكرية، وتعبئة أتباعها، وتجنيد ضحاياها، وصياغة خططها ومشاريعها، وجمع الأموال وتهريبها، وصناعة حملاتها للنيل من خصومها على المستوى الفكري والتنظيمي والسياسي.
حظرت الحكومة الصومالية، تطبيقي تيك توك و التليجرام وموقعا إلكترونيا للمراهنات، قائلة إن هذه المنصات يستخدمها "إرهابيون" لأغراض دعائية.
ويأتي هذا القرار مع اقتراب المرحلة الثانية من الهجوم العسكري ضد حركة الشباب المتطرفة التي تقود تمرّدا داميا ضد الحكومة المركزيّة في مقديشو منذ أكثر من خمسة عشر عاما.
قال وزير الاتصالات الصومالي، جامع حسن خليف إن بلاده حظرت تطبيق تيك توك وتطبيق المراسلة تليجرام وموقع المراهنات الإلكتروني وَن إكس بت للحد من انتشار المحتوى غير اللائق والدعاية البذيئة.
وقال خليف في بيان نقلته رويترز، إن وزير الاتصالات يأمر شركات الإنترنت بوقف التطبيقات المذكورة أعلاه، والتي يستخدمها الإرهابيون والجماعات المنحرفة أخلاقيا باستمرار لنشر صور مروعة وتضليل الجمهور.
وكثيرا ما ينشر أعضاء حركة الشباب المتمردة مواد عن أنشطتهم على تيك توك و تليجرام.
ويأتي القرار بعد أيام من إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن هجوما عسكريا على حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة يهدف إلى القضاء على الجماعة خلال الأشهر الخمسة المقبلة.
وقالت إدارة تطبيق التليجرام في بيان "تيليجرام يحذف باستمرار الدعاية الإرهابية في الصومال وفي جميع أنحاء العالم". مضيفة أنها "تتصدى بنشاط" للمحتوى الضار على المنصة.
وأمهل الأمر الصادر مزودي خدمة الإنترنت حتى يوم 24 أغسطس لتطبيق الحظر.
ويحظى وَن إكس بت للمراهنة بشعبية في الصومال، خاصة في مباريات كرة القدم.
وقال عبد القادر علي محمد، الذي يطلق على نفسه اسم "رئيس تيك توك" في الصومال إن "الحظر المفروض على تيك توك سيتسبب في معاناة الكثير من الأسر".
وأضاف "ومن أين نحصل على قوتنا اليومي".
وأعرب حليمو حسن، الذي يبيع الذهب عبر منصة تيك توك، عن شعوره بالقلق من فقد عملائه.
وقال "أحث الحكومة على إتاحة تيك توك للجمهور، لكن مع فرض سيطرة على طريقة استخدامه في إطار السياق الثقافي للصومال".
ويتعرض تيك توك لتهديد بفرض حظر عليه في الولايات المتحدة بسبب علاقاته المزعومة بالحكومة الصينية، وأصبحت مونتانا أول ولاية تحظر التطبيق في مايو 2023.
ومنذ أغسطس 2022، يخوض الجيش الصومالي إلى جانب مجموعات عشائرية محلية، وبدعم من قوات الاتحاد الإفريقي والضربات الجوية الأميركية، هجوما ضدّ جماعة الشباب الموالية للقاعدة.
وفي عام 2011، طُرد مقاتلو الشباب من مقديشو لكنهم ظلّوا منتشرين في مناطق ريفية واسعة يواصلون انطلاقا منها شنّ هجمات ضدّ أهداف أمنية ومدنية.
وتعهّد الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود تخليص البلاد من الميليشيات المتطرفة، ويُتوقّع أن يعلن قريبا المرحلة الثانية من الهجوم العسكري على حركة الشباب في جنوب البلاد.
يتمتع «التجنيد الرقمي» بنوع من السرية المطلقة سواء للقائمين عليه، أو المشاركين في فعالياته، نتيجة الاعتماد على «جروبات مغلقة»، أو «برامج مشفرة»، يمكنها التأثير في أشخاص محددة، يتم انتقاؤهم بعناية فائقة، ما يعني أن التأثير الفكري انتقل فعليًا من داخل التجمعات المهنية والتعليمية إلى ساحة الفضاء الرقمي، بعيدًا عن الرقابة والتتبع الأمني.
تستلزم المرحلة الحالية أدوات مختلفة للتعامل مع الجماعات الإرهابية فيما يخص تجفيف منابع استقطاب وتجنيد الشباب عبر منصات «الإعلام الرقمي»، لعل من أهمها تكثيف تأسيس المنصات البديلة التي تعمل على تفنيد الإنحرافات الفكرية والحركية لهذه الجماعات، وتفضح تاريخها الإجرامي ومخططها المختبئ خلف القيم الدينية.
بات «الإرهاب الرقمي» أو الإلكتروني، يمثل خطرًا على أمن واستقرار المجتمعات العربية في إطار تمرير سيناريوهات «خرائط الدم»، التي وضعها مفكرو الإدارات الغربية والأمريكية، نظرًا لتمكنه من تطوير وسائله وآلياته تماهيًا مع التكنولوجيا الحديثة، وقدرته في صناعة فجوة كبيرة بين الجماعات الإرهابية والأجهزة الأمنية المعنية بتتبع الإرهاب ومحاصرة أطرافه وتجفيف منابع تمويله ودعمه اللوجيستي.